جي كي رولينغ والجدل.... أبطال هاري بوتر في شراك "الصواب السياسي"

15 يوليو 2019
كانت رولينغ تنتمي للطبقة الفقيرة في بريطانيا (Getty)
+ الخط -
أثارت الكاتبة البريطانية جي كي رولينغ (جوان رولينغ)، صاحبة سلسلة روايات الواقع والسحر الشهيرة "هاري بوتر"، موجةً من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي أخيراً. إذْ بعد مرور قرابة عقد على صدور آخر كتب سلسلة "هاري بوتر"، أثارت رولينغ جدلاً واسعاً بسبب الإضاءات أو الإضافات الأخيرة، إن صح التعبير، والتي أعلنت عنها الكاتبة بأثر رجعي حول شخصيات القصة. تراعي هذه الإضافات قواعد أيديولوجيا "الصواب السياسي" السائدة الآن. وعبّر البعض عن أنّ إضافات رولينغ هي مغالية في "وعيها السياسي". وخصوصاً في قضايا العدالة الاجتماعية والتمييز العرقي وغيرها. 

بدأ الأمر عام 2007، عندما أعلنت رولينغ أنّ شخصية "ألبوس دامبلدور"، مدير مدرسة "هوغورتس" لتعليم السحر في السلسلة، هو في واقع القصة مثليٌّ جنسياً، وبأنه كان على علاقة عاطفية بالساحر الشرير "غريندلفالد" الذي هزمه "دامبلدور" شر هزيمة بمبارزة في السحر أوائل القرن العشرين. وأطلقت الكاتبة تصريحات عدة مشابهة، مع إضافة بهاراتٍ على توجه "دامبلدور" الجنسي، ولمّحت إلى أن شخصية "هرموني" التي لعبت دورها إيما واطسون في الفيلم الشهير، كان يجب أن تكون داكنة البشرة (أي سوداء)، جاء هذا التصريح جواباً على النقد الذي تلقته رولينغ، بعد أن اختيرت ممثلة داكنة البشرة للعب دور"هرموني" في إنتاج "ويسترن برودكشن" الأصلي لـ"هاري بوتر والطفل الملعون"، إذْ غردت على "تويتر": "لم أحدد يوماً أن لون بشرة (هرموني) هو أبيض". وكردّ على ذلك، نشر أحد عاشقي السلسلة سطراً من الرواية نفسها يقول: "وجه هرموني الأبيض كان يظهر من خلف شجرة"!

علاوةً على ذلك، أجابت رولينغ عبر حسابها على تويتر أحد المعجبين، إذْ كان يتساءل، فيما إذا كانت أي من شخصيات طلاب مدرسة "هوغورتس" تنتمي لمجتمع الـ"ميم" +LGBT، بالقول: "إن كان هاري بوتر قد علمنا أي شيء، فهو أنّ لا أحد عليه أن يعيش طوال حياته في الخزانة (في إشارة منها إلى أنَّ الخروج من الخزانة، يماثل تماماً الإعلان عن الميول المثلية للشخص)، إذ أن هاري بوتر، وقبل أن يصبح ساحراً متمرساً، كان يعيش في خزانة تحت درجٍ في بيت عمه وعمته البغيضين. بطبيعة الحال، جلبت هذه المقاربات نقداً لاذعاً خلال السنوات الأخيرة لرولينغ. إذ يعتقد كثر أن هذه الإضافات جاءت لكسب ود أنصار "الصواب السياسي"، ولتعويض غياب شخصية مثلية أو عابرة جنسياً في سلسلة الروايات الشهيرة، وكمحاولة أيضاً للشهرة والانتشار.

ما جعل جمهور رولينغ العريض يغضب بسبب تصريحاتها الأخيرة العديدة، هو ما ذكرته الكاتبة في مقابلةٍ أجرتها بعد صدور فيلم "وحوش خيالية: قصص جرائم غريندلفالد"، حين قالت: "إن علاقة "دامبلدور" بـ"غريندلفالد" كانت علاقة عاطفية عاصفة وشغوفة، وكأي علاقة حب مثلية أو غيرية، أو أياً كان التصنيف الذي قد نسِم به العلاقات، لا يعرف أحدنا ما يفكر فيه الشخص الآخر تماماً، لذلك لست مهتمةً كثيراً بالجانب الحسي من هذه العلاقة، على الرغم من أني أعتقد بوجود بعد جنسي واضحٍ". هذه الافتراضات حول ميول شخصيات "هاري بوتر" الجنسية أو لون بشرتها وطبيعة علاقتها ببعضها، سبّب العديد من الانطباعات والآراء المتباينة بين متحمّس مهتمّ وممتعض بحق. وبالطبع مواقع التواصل الاجتماعي كانت الملعب الأكبر لتناول افتراضات رولينغ بأشد الطرق سخريةً ومزاحاً.

في الواقع لدينا اتجاهان في النظر إلى هذا السلوك. من جهة نستطيع أن نفهم لماذا يقف مناصرو مجتمع "الميم" وقفة امتعاض وتوبيخ تجاه افتراضات رولينغ. إذ يرون فيها تصوير شخصية مثلية مسجونة تعاني صراعاً في خزانتها بوحدة، هو تكريس عدم قبول اختلافها والتصالح مع مثليّتها، وهذا بالضبط الخطاب الذي لطالما ناضل مجتمع "الميم" ضده. رولينغ كتبت سلسلة روايات لا تحضر فيها مسألة مثلية "دامبلدور" أبداً. ومن ثم تطرحها فجأةً للعامة، كفكرة لاحقة وثانوية. الأمر الذي كان فجائياً وغير منطقيٍّ ومهيناً إلى حد ما، كما عبر ريتشارد مورغان في صحيفة "سيدني مورنينغ"، والذي اعتبر أن هذا الأمر اختزال ساذج لمراعاة صورة المثليين في الرواية والفيلم، واعتماد مبدأ الصدمة لجذب اهتمام أكبر. وتتالت بعد ذلك التغريدات من قبل جمهور الكاتبة الذي لم يُخفِ انزعاجه الواضح من محاولات رولينغ المزعومة لإثبات أنها راعت خاصيات التنوع والمساواة.

لكن ومن جهةٍ أخرى، معروفٌ أنّ رولينغ تميل لليسار سياسياً. فهي تقف ضد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أو كما تسمى "من مناصري البقاء"، وتزدري ترامب على الملأ. كما أن رولينغ كانت تنتمي للطبقة الفقيرة في بريطانيا، وقد قيل كثيراً إنها عانت عقدة ذنب الناجي، وأزالت اسمها عن قائمة "فوربس" لأثرياء العالم، بعد تبرعها بمبلغ مادي كبير للجمعيات الخيرية، بناءً على ذلك فإنه قد يكون من غير المنصف النظر لرولينغ على أنها انتهازية. من المرجح أن رولينغ وجدت نفسها عالقةً في دوامة ثقافة "الوعي" والصواب السياسيّ، وحاولت جاهدةً أن تقوم بالأمر الصائب.
المساهمون