اقرأ أيضاً: اغتيال علوش: محاولة روسية لتقوية النظام و"داعش" ونسف المفاوضات
كان زهران علوش والمولود في دوما عام 1970، قائداً لجيش الإسلام في الغوطة الشرقية، والذي شكله أواخر عام 2013. وكان يُنظر إليه كواحد من أهم قادة الفصائل الإسلامية، الذين لعبوا دوراً أساسياً في تقويض سلطة النظام في مناطق واسعة في سورية، وهو كان كما قال عنه أحد المعارضين السوريين: "ممسكاً بجمر الغوطة". كما كان علوش يشكّل قبضة فولاذية على تنظيم "داعش"، والذي اجتث وجوده في شرق دمشق، بعد معارك طاحنة خاضها جيشه معه. لكن علوش تعرض في حياته لجملة انتقادات من ناشطي الثورة، خصوصاً في ملف اختفاء الحقوقية رزان زيتونة ورفاقها في مدينة دوما مركز سيطرته، فضلاً عن قيامه بعرض أسرى مدنيين لديه في الغوطة الشرقية لردع طيران النظام عن ارتكاب مجازر، وعدم محاولته الدخول إلى دمشق، رغم أنه كان يمتلك قوة قادرة على ذلك. مع ذلك، يبقى الشيخ علوش من القادة الذين تركوا وراءهم أثراً في مقاومة قوات النظام السوري.
ولا يُذكر علوش، إلا ويحضر مع ذكره القائد العسكري للواء التوحيد في حلب عبد القادر الصالح، الذي قُتل بدوره بغارة جوية على مدرسة المشاة العسكرية في شمال حلب أواخر عام 2013، أثناء اجتماع له مع قادة في اللواء. وكان مقتله من اللحظات المفصلية في مسار الثورة، التي فقدت بقتله قائداً شعبياً كان يحظى باحترام وتقدير السوريين، نظراً للدور البارز الذي لعبه في طرد قوات النظام من ريف حلب الشمالي وأحياء داخل المدينة. كما كان الصالح، الملقب بـ "حجي مارع"، يعبر عن روح الثورة البعيدة عن التطرف والغلو، وظل وفياً لمبادئها ولم ينجرف لانتماءات تناقضها حتى لحظة مقتله.
في بداية سبتمبر/أيلول عام 2014، جرت عملية اغتيال جماعية لقادة الصف الأول لحركة "أحرار الشام الإسلامية"، في الوقت الذي كانت به الحركة تسير في نهجها نحو الاعتدال والوسطية. وكان في مقدمة القتلى قائد الحركة حسان عبود (أبو عبدالله الحموي)، إلى جانب أكثر من 40 من قادة الحركة، أثناء عقدهم لاجتماع في أحد مقرّاتها في شمال سورية. ولا يزال الغموض يحيط بتلك الحادثة التي لم تتضح ملابساتها بعد، إذ انفجرت عبوة ناسفة تحتوي على غاز سام، أدت إلى مقتل جميع من كان في قاعة الاجتماعات في مقر حصين. وكان للقادة الذين قتلوا كلهم دفعة واحدة دور كبير في السيطرة على مناطق واسعة شمال وشرق سورية.
اقرأ أيضاً: تصفية قادة "أحرار الشام": مستفيدون كُثر
أول العنقود
بعد شهور من بداية الثورة، بدأت حركة تململ تظهر بين ضباط الجيش السوري، الذي وضعه النظام أمام جموع المتظاهرين السلميين، ولم يكد ينتهي شهر يوليو/ تموز من عام 2011، إلا وأعلن أول ضابط سوري انشقاقه عن الجيش، وانضمامه إلى الثورة، وهو المقدّم حسين هرموش، المتحدر من ريف إدلب شمال سورية. غير أنّ النظام سعى للتخلص منه قبل أن يشكّل حالة ثورية تستقطب عموم السوريين، لذا ظل يخطط لقتله أو أسره، خصوصاً أن هرموش مهد الطريق أمام انشقاق عشرات الضباط.
في أواخر شهر أغسطس/ آب من عام 2011، وقع هرموش ضحية كمين محكم من قبل أجهزة استخبارات النظام التي استطاعت نقله إلى سورية من جنوب تركيا، عن طريق ضابط استخبارات تركي ذكرت مصادر إعلامية في حينها أنّه من الطائفة العلوية كان متعاونا مع أجهزة النظام السوري. ظهر حسين هرموش على شاشة فضائية النظام لمرة واحدة. ومنذ ذلك تضاربت الأنباء حول مصيره، فبعض المصادر أكدت أنه قتل تحت التعذيب، وذكرت أخرى أنه لا يزال حياً في سجن صيديانا الشهير شمال شرق دمشق.
المقدّم حسين هرموش كان من قادة الثورة، الذين لا يزال السوريون يتذكرونه، مشيدين بشجاعته، والتي كانت السبب المباشر وراء حركة انشقاق كبرى في جيش النظام أدت إلى ترنحه ما استدعى تدخل إيران وحرب الله لإنقاذه من سقوط مدو.
في أواخر عام 2012 خسرت الثورة أهم قادتها العسكريين في ذلك الحين، وهو العقيد يوسف الجادر (أبو فرات) الذي استطاع خلال شهور معدودة ترك بصمة لا تُمحى في الثورة نتيجة حضوره الوطني الطاغي. ويتحدّر يوسف الجادر من مدينة جرابلس، شمال حلب، وكان قائد لواء دبابات في الساحل السوري، وقد رفض أوامر قصف مدينة الحفة في ريف اللاذقية، فانحاز إلى الثورة. وقاد عدة معارك في حلب وريفها، وبعد ساعات من إلقائه بيان تحرير المدرسة، قضى أثناء محاولته مواجهة فلول قوات النظام في المدرسة. وكان أبو فرات صاحب إنجازات عسكرية مهمة، رغم أن مشاركته في القتال ضد قوات النظام لم تتعدَّ الأشهر، إذ أسهم بقيادته قوات المعارضة السورية في شمال حلب بالسيطرة على عدة مدن كبرى، وعدة أحياء في المدينة.
وهناك عدد من القادة العسكريين الآخرين الذين قتلوا خلال سنوات لعبوا أدواراً هامة في ثورة لا تزال حتى الآن "بلا رأس"، فكلما سقط قائد حمل رايته قائد آخر، وهذا ما يفسر استمرارها رغم اجتماع عدة أطراف إقليمية ودولية على تشتيت قواها.