تحوّلت أزمة اللاجئين من مأساة إنسانية يعاني منها الملايين من ضحايا الحروب إلى مادة خصبة لمختلف أنواع الفنون، متجاوزةً الإطار المحلي، لتصبح واحدةً من أبرز الهواجس الفنية المستلهمة من إحدى مآسي هذا العصر.
الفنان الصيني آي ويوي (1957)، الذي يشتغل في حقول فنية متعدّدة، واحدٌ من الذين تناولوا هذه المسألة فنّياً؛ حين أنجز، في فبراير/ شباط الماضي، صورةً له وهو مستلقٍ على شاطئ مغطّىً بالحصى في جزيرة ليسبوس اليونانية، في محاكاة لمشهد الطفل السوري، إيلان، البالغ من العمر ثلاثة أعوام، والذي غرق قبالة سواحل تركيا العام الماضي.
علاقة أي ويوي بقضايا اللاجئين لا تقتصر على أعماله الفنية فقط، بل تتجاوزها إلى مواقف تناصر اللاجئين؛ ففي كانون الثاني/ يناير، قرّر إيقاف معرض له بعنوان "انقطاع" يُقام في كوبنهاغن، احتجاجاً على موافقة البرلمان الدنماركي على قانون يقترح مصادرة مقتنيات وأموال العائلات اللاجئة.
هذه المرّة، يعتزم الفنان الصيني طرق الموضوع مجدّداً، لكن من خلال زاوية سينمائية، إذ كشف، في ندوة أقامها، مؤخّراً، في العاصمة السويسرية بيرن أنه سيُصدر، خلال العام المقبل، فيلماً وثائقياً عن أزمة اللاجئين.
وحلّ آي ويوي بسويسرا للمشاركة في معرض تشكيلي جماعي بعنوان "همسات صينية"، يستضيفه "متحف الفنون" و"مركز بول كلي" في برن بين 19 شباط/ فبراير الماضي و19 حزيران/ يونيو المقبل. ويشتمل المعرض على 150 قطعة لفنّانين صينيين مُعاصرين.
آي ويوي قال إنه بدأ بالفعل بالاشتغال على العمل، وإنه صوّر منه أكثر من ستمائة ساعة، وأنجز مقابلات مع المعنيين بالأزمة، من سياسيين ومستقلين ولاجئين.
يأتي الفيلم الوثائقي المنتظر، على ما يبدو، في سياق توجّه الفنان الصيني إلى مواكبة الأزمة التي أصبحت الموضوع الحدث الأبرز في ألمانيا حيث يقيم حالياً، وحيث شاهد آلاف من سترات النجاة كان لاجئون قد ارتدوها في رحلتهم إلى القارة الأوروبية.
يقول آي ويوي إنه يأمل أن يتجاوز بفيلمه "النظرة الضيقة" للسياسيين، وهو الذي أمضى الأشهر الأخيرة بين مخيمات اللاجئين جزيرة ليسبوس للفت الانتباه إلى القضية، ولتصوير فيلمه الوثائقي أيضاً: "السياسيون ليس لهم بعد نظر، ومن المؤسف ألا تعمل أوروبا كيد واحدة".
كان قد وصف تجرته تلك بالمجهدة، مضيفاً: "رأيت الآلاف من النساء الحوامل والمسنّات والأطفال والرضّع. رأيت طفلاً بيد واحدة؛ كلّهم يأتون حفاةً في هذا البرد، وعليهم أن يسيروا على شاطئ صخري".
يشتغل آي ويوي في مجالات النحت والعمارة والسينما والنقد الاجتماعي والسياسي والثقافي. وبرز اسمه بوصفه معارضاً لنظام بلاده في ما يتعلق بالديمقراطية وحقوق الإنسان، خصوصاً بعد اعتقاله عام 2011، لشهرين من دون توجيه تهمة إليه بشكل رسمي.
خلال اللقاء، تحدّث عن السجن باعتباره "تعبيراً مجازياً" عن حرية التفكير في المجتمع، قائلاً: "نحن جميعا سُجناء بشكل ما. وبهذه الطريقة نكسب الحرية. فمن دون قيود، لا أدري ما الذي تعنيه الحرية".
يعتقد أي ويوي أن بلده غير ديمقراطي: "في الصين، الرسميون هم الذين يتخذون جميع القرارات. إنه ليس مجتمعاً ديمقراطياً، وليس هناك أي نقاش على أي مستوى". يضيف، متحدّثاً عن منع أعماله هناك: "لقد شيّدوا جداراً نارياً شاسعاً يتّسم بالكثير من النجاعة، إذ بإمكانه أن يحظر أي شيء. كنتُ أوّل شيء قاموا باختباره. بل إنه من غير المُمكن حتّى كتابة اسمي على الإنترنت الصيني".