أبصر إيدر، الملقّب بـ"شيخ اليساريين"، النور في مطلع يوليو/تموز عام 1925 في قرية تينمنصور، بمنطقة أشتوكة آيت باها، جنوبي المغرب. وبدأ نشاطه السياسي بمعارضة محمد الخامس، بعد نيل البلاد الاستقلال (1956)، وطالب بعدم حلّ "جيش التحرير"، الذي كان أحد زعمائه، بخلاف موقف الملك. بعدها عارض إيدر الحسن الثاني بشأن طريقة حكمه التي كان يصفها بـ"المهيمنة على دواليب الحكم وشؤون البلاد"، وبقي إلى اليوم يطالب بملكية برلمانية، بدلاً من "ملكية تنفيذية مسيطرة"، وفق تعبيره. وكان إيدر قد حمل السلاح مبكراً، برفقة العديد من رفاقه المقاومين، من أجل دحر الاستعمار الفرنسي عن البلاد، مساهماً أيضاً في تحرير الصحراء، ضمن "جيش التحرير".
وبعد نيل المملكة استقلالها، وجلاء الاحتلال الفرنسي، عارض إيدر السلطة الحاكمة، مساهماً في تأسيس "الاتحاد الوطني للقوات الشعبية" (سُمّي لاحقاً بالاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية)، الذي عمل على معارضة الحكم بالقوة. حُكم على إيدر ورفاقه بالإعدام، لكنه لجأ إلى الجزائر ثم فرنسا في عام 1964، قبل أن يعود إلى المغرب في عام 1981، بفضل عفوٍ أصدره الملك الراحل الحسن الثاني.
اقرأ أيضاً: اليسار الإصلاحي في المغرب
واعتقد البعض أنه بعودة آيت إيدر إلى بلده، سيراجع حساباته، ويطأطئ رأسه، ويقبل باللعبة السياسية القائمة كما هي، لكنه آثر أن يظل معارضاً من خلال حزب "منظمة العمل الديمقراطي"، الذي يعتبره كثر امتداداً سياسياً لمنظمة "23 مارس/آذار" السرية، والتي خرّجت العديد من القيادات والزعامات اليسارية في البلاد.
عودة آيت إيدر إلى البلاد بعد المنفى الاضطراري الذي لجأ إليه، ودخوله قبة البرلمان عن المنطقة التي ينتمي إليها، طيلة الفترة بين 1984 و2007، أمور نظر إليها المشككون في صمود الرجل على أنها عوامل قد تجعل مواقفه أكثر مرونة، فيما قال آخرون إنه قد اختار المداهنة على المواجهة، غير أنه كان للشيخ اليساري رأي آخر، بعد إعلان رفضه لدستور 2011، كما رفض سابقاً دساتير 1992، و1972 و1962.
ومثلما شكك البعض في صمود الرجل ومعارضته القوية للنظام السياسي القائم، بعد ترشحه ودخوله للبرلمان، عادت الشكوك إزاء حدث آخر عرفه المغرب أخيراً بمناسبة الذكرى السادسة عشر لوصول الملك محمد السادس إلى سدة الحكم سنة 1999، بعد أن كرّمه العاهل المغربي بوسام رفيع من درجة ضابط.
الوسام الملكي كان مفاجأة أذهلت الكثيرين، بسبب العلاقة "الباردة" بين الرجل وصانعي القرار في البلاد، وتحديداً القصر الملكي، لرفضه الطقوس المرافقة لتجديد البيعة، واعتبارها "مهينة للكرامة الإنسانية". طمأن آيت إيدر الذين اتهموه بالتراجع عن مبادئه ومواقفه السابقة، بمجرد قبوله نيل الوسام من يد الملك، وتحيته وجهاً لوجه، مؤكداً في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه "لم ولن يبدل شيئاً من مواقفه". واستغرب كيف "لم يستسغ البعض قبوله الوسام وبقاءه رغم ذلك على ثابتاً على مواقفه".
وشدّد على أن "توشيحه بالوسام الملكي لن يُجهض تطلعاته السياسية، بإقرار نظام ملكي برلماني حداثي"، مؤكداً أن "كل ما حدث هو انسجام بين قبوله دعوة القصر لتوشيحه، وهي التفاتة لا يمكن إلا الإشادة بها، لكن التوشيح شيء ومواقفي شيء آخر".
اقرأ أيضاً: الانتخابات المهنية المغربية سياسية بطعم اقتصادي