قبل أعوام، نال السيناريست الأميركي آرون سوركين (1961) جائزة "أوسكار" أفضل سيناريو مقتبس، من كتاب بِنْ مزرِك، عن فيلمه "الشبكة الاجتماعية (The Social Network)"، الذي حقّقه ديفيد فينشر عام 2010. والفوز "تكريمٌ مستَحَق لأحد أشهر الكتّاب، وأكثرهم موهبة في عالمنا المعاصر"، ولأحد "أفضل السيناريوهات التي كُتِبَت في تاريخ السينما"، كما قال محلّل الأفلام مايكل تيكر، مُضيفًا أن ما يجعل سوركين "مشهورًا" ليست فقط "موهبته الكبرى"، بل أيضًا "بصمته التي لا يُمكن أن تخطئها".
بالتزامن مع وقوف سوركين وراء الكاميرا للمرة الأولى، مخرجًا "لعبة مولّي" (Molly’s Game، 2017) ـ المرشَّح لـ"أوسكار" أفضل سيناريو مقتبس (2018)، من كتاب "لعبة مولّي: من نخبة هوليوود إلى نادي الفتيان أصحاب المليارات في وول ستريت، مغامرتي عالية الخطورة في العالم السُفلي للعبة بوكر" لمولي بلووم ـ يُمكن محاولة استقراء بعض بصماته "التي لا تخطئ" ككاتب، التي وضعته في تلك المكانة داخل هوليوود، مع استكشاف السبب الذي جعله يتجه إلى الإخراج هذه المرة.
أبرز السمات الواضحة في أعماله ـ كـ"الشبكة الاجتماعية"، و"بضع رجال جيّدين" (1993) لروب راينر و"ستيف جوبز" (2015) لداني بويل ـ كامنةٌ في أن الحوارَ العنصرُ الأبرز في سيناريوهاته، بفضل موهبته المدهشة في كتابته، لكونه بدأ حياته كاتبًا مسرحيًّا. هذا أثر لم يُمح أبدًا في اشتغالاته، بعد اتجاهه إلى الأفلام. هناك أيضًا طفولته: "في سنّ باكرة، كنتُ أذهب مع والدي إلى المسرح. رغم أني لم أفهم ما يحدث وما هي القصة، إلاّ أني أحببت صوت الحوار. بدا لي كالموسيقى".
البصمة الأبرز له ككاتب تكمن في محاولته المخلصة خلق "إيقاع" حواري لكلّ مشهد. لذا، فمَشَاهد أفلامه الأبقى في الذاكرة، هي تلك المبنية على "مواجهات حوارية". مثلاً: مشهد المحكمة في "بضع رجال جيّدين"، أو الافتتاحية الكلاسيكية لـ"الشبكة الاجتماعية"، أو حوار "النافذة المكسورة" في "حرب تشارلي ويلسن" (2007) لمايك نيكولز. فهو لا يخجل أبدًا من أنه يصنع دراما من "أشخاصٍ يثرثرون داخل غرف مغلقة".
لكن أكثر بصماته حاضرةٌ في انشغاله وبحثه الدائمين في عالم السياسة، ومحاولته اكتشاف كيفية سير الحضارة الإنسانية، في تلك اللحظة من التاريخ. أبرز أعماله في هذا الصدد لم يكن سينمائيًا، بل تلفزيونيًا: "الجناح الغربي" (1999 ـ 2006)، الذي يُعتبر أحد أنجح المسلسلات التلفزيونية الأميركية وأشهرها. فتحٌ حقيقيٌ في كيفية تحويل السياسة وكواليس البيت الأبيض إلى دراما مثيرة وناجحة جدًا. مسلسله الثاني "غرفة الأخبار" (2012 ـ 2014)، الدائر في كواليس إنتاج الأخبار والحياة الإعلامية، مستلهمًا فيلمه المفضل Network (1976) لسيدني لوميت، داخل شبكة تلفزيونية، وفي كواليس صناعة الأخبار فيها، أيضًا.
في السينما، ظل هذا شاغله الأساسي: "حرب تشارلي ويلسن" يتناول دعم المقاتلين الأفغان ضد الروس في الحرب التي أثّرت، بشكل مباشر، على قوة الاتحاد السوفياتي. "الرئيس الأميركي" (1995) لروب راينر، وهو عمل رومانسي، عن وقوع رئيس أميركي في الحبّ، حاملاً ـ في الوقت نفسه ـ تفاصيل سياسية متنوّعة.
اقــرأ أيضاً
يحبّ سوركين النظر داخل الشخصيات الناجحة والمثيرة للجدل. فيلمه الأشهر، الذي نال عنه 3 جوائز "أوسكار"، دراسة نفسية وسينمائية شديدة العمق في شخصية مايكل زوكربيرغ، مؤسس "فيسبوك"، محاولاً عبره فهم جيل كامل من شباب الألفية الثالثة.
خلاف ذلك، تتّخذ أفلامه الأخرى شكل "سِيرة شخصية حقيقة ودراستها"، كبيلي بين، المدير الرياضي لنادي "أوكلاند" للبيسبول، في Moneyball (2011) لبينيت ميلر، أو ستيف جوبز، الذي يغوص في لحظات فارقة في حياة مؤسّس شركة "آبل"، وصولاً إلى أحدث إنتاجاته: تجربته الإخراجية الأولى (لعبة مولي)، الذي يحكي عن مولي بلوم، المتزلجة الأولمبية، التي أنهت الإصابة مسيرتها الرياضية، ما جعلها تتولّى إدارة نادٍ سرّي للعبة الـ"بوكر"، فتنشئ إمبراطورية خاصة بها، تجعلها هدفًا لـ"المكتب الفيدرالي للتحقيقات". كالعادة، جعل شخصية مولي وقصتها الحقيقية واجهة أساسية، تتحرك الدراما من خلالها.
لكن مشكلته فيه كامنة في عدم قدرته كمخرج على استيعاب حواريته ككاتب، ليتحوّل الأمر ـ الذي كان "بلاغة" مع إخراج سينمائيين آخرين لنصوصه ـ إلى "ثرثرة"، في ظلّ وقوفه هو وراء الكاميرا. صحيحٌ أنه حاول، أحيانًا كثيرة، أن يقتفي أثر ديفيد فينشر في "الشبكة الاجتماعية"، واستغلال قدرات السينما لدعم الحوار، إلا أنه صنع ذلك بصورة ضعيفة. زاد الأمر سوءًا اعتماده على شخصيته الرئيسية كصوت راوٍ، كأنه يتمادى في اعتماده على ما يملك (أي اللغة والحوار)، لتجاوز أي ضعف محتمل فيما لا يملك (قدراته كمخرج)، لتكون النتيجة: ثرثرة، ومَشاهد تفسيرية، وفيلما أطول كثيرًا من اللازم، رغم بصماته كلّها، المميزة، والموجودة داخله.
أبرز السمات الواضحة في أعماله ـ كـ"الشبكة الاجتماعية"، و"بضع رجال جيّدين" (1993) لروب راينر و"ستيف جوبز" (2015) لداني بويل ـ كامنةٌ في أن الحوارَ العنصرُ الأبرز في سيناريوهاته، بفضل موهبته المدهشة في كتابته، لكونه بدأ حياته كاتبًا مسرحيًّا. هذا أثر لم يُمح أبدًا في اشتغالاته، بعد اتجاهه إلى الأفلام. هناك أيضًا طفولته: "في سنّ باكرة، كنتُ أذهب مع والدي إلى المسرح. رغم أني لم أفهم ما يحدث وما هي القصة، إلاّ أني أحببت صوت الحوار. بدا لي كالموسيقى".
البصمة الأبرز له ككاتب تكمن في محاولته المخلصة خلق "إيقاع" حواري لكلّ مشهد. لذا، فمَشَاهد أفلامه الأبقى في الذاكرة، هي تلك المبنية على "مواجهات حوارية". مثلاً: مشهد المحكمة في "بضع رجال جيّدين"، أو الافتتاحية الكلاسيكية لـ"الشبكة الاجتماعية"، أو حوار "النافذة المكسورة" في "حرب تشارلي ويلسن" (2007) لمايك نيكولز. فهو لا يخجل أبدًا من أنه يصنع دراما من "أشخاصٍ يثرثرون داخل غرف مغلقة".
لكن أكثر بصماته حاضرةٌ في انشغاله وبحثه الدائمين في عالم السياسة، ومحاولته اكتشاف كيفية سير الحضارة الإنسانية، في تلك اللحظة من التاريخ. أبرز أعماله في هذا الصدد لم يكن سينمائيًا، بل تلفزيونيًا: "الجناح الغربي" (1999 ـ 2006)، الذي يُعتبر أحد أنجح المسلسلات التلفزيونية الأميركية وأشهرها. فتحٌ حقيقيٌ في كيفية تحويل السياسة وكواليس البيت الأبيض إلى دراما مثيرة وناجحة جدًا. مسلسله الثاني "غرفة الأخبار" (2012 ـ 2014)، الدائر في كواليس إنتاج الأخبار والحياة الإعلامية، مستلهمًا فيلمه المفضل Network (1976) لسيدني لوميت، داخل شبكة تلفزيونية، وفي كواليس صناعة الأخبار فيها، أيضًا.
في السينما، ظل هذا شاغله الأساسي: "حرب تشارلي ويلسن" يتناول دعم المقاتلين الأفغان ضد الروس في الحرب التي أثّرت، بشكل مباشر، على قوة الاتحاد السوفياتي. "الرئيس الأميركي" (1995) لروب راينر، وهو عمل رومانسي، عن وقوع رئيس أميركي في الحبّ، حاملاً ـ في الوقت نفسه ـ تفاصيل سياسية متنوّعة.
خلاف ذلك، تتّخذ أفلامه الأخرى شكل "سِيرة شخصية حقيقة ودراستها"، كبيلي بين، المدير الرياضي لنادي "أوكلاند" للبيسبول، في Moneyball (2011) لبينيت ميلر، أو ستيف جوبز، الذي يغوص في لحظات فارقة في حياة مؤسّس شركة "آبل"، وصولاً إلى أحدث إنتاجاته: تجربته الإخراجية الأولى (لعبة مولي)، الذي يحكي عن مولي بلوم، المتزلجة الأولمبية، التي أنهت الإصابة مسيرتها الرياضية، ما جعلها تتولّى إدارة نادٍ سرّي للعبة الـ"بوكر"، فتنشئ إمبراطورية خاصة بها، تجعلها هدفًا لـ"المكتب الفيدرالي للتحقيقات". كالعادة، جعل شخصية مولي وقصتها الحقيقية واجهة أساسية، تتحرك الدراما من خلالها.
لكن مشكلته فيه كامنة في عدم قدرته كمخرج على استيعاب حواريته ككاتب، ليتحوّل الأمر ـ الذي كان "بلاغة" مع إخراج سينمائيين آخرين لنصوصه ـ إلى "ثرثرة"، في ظلّ وقوفه هو وراء الكاميرا. صحيحٌ أنه حاول، أحيانًا كثيرة، أن يقتفي أثر ديفيد فينشر في "الشبكة الاجتماعية"، واستغلال قدرات السينما لدعم الحوار، إلا أنه صنع ذلك بصورة ضعيفة. زاد الأمر سوءًا اعتماده على شخصيته الرئيسية كصوت راوٍ، كأنه يتمادى في اعتماده على ما يملك (أي اللغة والحوار)، لتجاوز أي ضعف محتمل فيما لا يملك (قدراته كمخرج)، لتكون النتيجة: ثرثرة، ومَشاهد تفسيرية، وفيلما أطول كثيرًا من اللازم، رغم بصماته كلّها، المميزة، والموجودة داخله.