آرهوس..ليس متحفاً للفنون فحسب

28 ابريل 2015
هذا المتحف هو كل شيء.. فتعالَ وشارك (العربي الجديد)
+ الخط -
بمساحة 20 ألف متر مربع، يحتل متحف الفن، آرهوس، في الدنمارك، مكانته كأكبر متاحف الفنون في أوروبا الشمالية. ففي طبقاته العشر، يحتوي المتحف على مختلف الفنون الحديثة، وفي الطابق الثالث لا بد للزائر أن يتوقف أمام مجسّم ضخم للصبي، boy، الذي يجلس القرفصاء على طريقة سكان أستراليا الأصليين، "الأبورجنيز"، حين يرقبون صيدهم.

وكان حين شاهد مدير آرهوس، الفنان الدنماركي ينس أريك سورنسن، ذلك الطفل (بوي) في البندقية، حيث كان يعرض للمرة الثانية بعد لندن، دخل في منافسة مع متاحف أوروبية أخرى لشرائه لمتحفه، وهو ما حصل في 2001، بعد عامين من نحته.

وحين يحدّق الزائر بهذا المخلوق لن يستطيع أن يشعر سوى بأنه حقاً أمام إنسان طبيعي لشدة الحِرفية في النحت والتي اهتم بتفاصيلها الفنية، الفنان الأسترالي رون مويك. يبدو جلده كأنه جلد بشري طبيعي، والأوعية الدموية تظهر وكأنها حقيقية تتدفق فيها الدماء، مثلما بقية التفاصيل المتعلقة بالعيون والشعر وحتى الأظافر والسروال الذي يرتديه.

ليس غريباً بأن يقف الأطفال الزائرون من المدارس، وكل المهتمين بالفنون، بصمت وتأمل أمام هذه التحفة الفنية العملاقة في محيط يحتله هذا التمثال ليبدو من حيث الإنارة والمكان وكأنهم أمام طفل يجلس متأملاً صيده بصمت عجيب ويداه ترتفعان بتشابك بمحاذاة رأسه. إنه ما يطلق عليه الفنانون تسمية "الفن الواقعي الجديد".

وحين نحت مويك صبيّه على ذلك النحو، فلأنه فنان وجودي يبحث عن أجوبة عن الحياة والموت والأبدية التي يرفع شعارها أيضاً متحف الفنون الحديثة، في الزعم بأن "الإنسان خالد"، بنظرة فلسفية تميّزه عن غيره من المتاحف.

إقرأ أيضاً: متاحف قطر تحتفي بالفنانين العرب الراحلين

تحفة معمارية
حين تتحدث إلى زائري متحف آرهوس من بلاد عدة، فهم يجمعون على القول: "إنه ليس مجرد متحف فنون عادي". هو متحف من حيث الشكل العمراني، أيضاً يعتبر تحفة فنية حقيقية بمشاركة 109 شركات هندسية من حول العالم ببناء يبدو من الخارج على شكل مكعب. تم استلهام بناء المتحف من الكوميديا الإلهية لدانتي، فالقبو يمثل جهنم، والطابق الأخير هو الجنة بقوس قزح. والمتجول فيه سيكتشف بعد الصعود على الدرج الحلزوني بأنه قد دخل في رحلة حسية عبر كل طبقة.

البدء في الطبقة العاشرة المعلّقة بشكلها الدائري على عواميد رشيقة، ترتفع فوق البناء نفسه، كبانوراما قوس قزح شفاف وبممره البالغ 150 متراً دائرياً وعرض 3.5 أمتار، سترى تحتك المدينة وخليجها، بتجوال عبر الألوان وتأمل بعيد عن توترات ما تركته خلفك في الأفق البعيد والقريب من المدينة أو المدن الأخرى التي تشبهها في زمن تتماهى فيه حدود حياة البشر وتوتراتها.

وفي سبعة آلاف متر مربع من صالات العرض الفني، وقبل تجوالك، لا بد من وضع حقائبك في الأمانات، ويشترطون عليك عدم استخدام فلاش التصوير. تبدأ رحلتك في صالات العرض مع لوحات فنية حقيقية منذ 300 عام، تبدأ من العام 1700 وحتى وقتنا، لفنانين محليين وعالميين. كما يوجد بداخله أكثر من 8000 عمل فني، منها ما أنجزته مجموعة من الفنانين الحداثيين الدنماركيين في بداية القرن الماضي، فضلاً عن المشتريات الأخرى لفنانين عالميين.

وأنت تتجول في قاعات العرض ستتعرف على لوحات العصر القومي الرومانسي للفنان يورغن سونا ويوليوس آسنر وكريستيان دالسغوورد، ولوحات للطبيعة ليانوس لاكور، وللعصر الاجتماعي الواقعي لفرانس هينينغسين وادفارد بيترسن. تستوقفك أعمال عدد من الفنانين المعاصرين، أمثال بيل فيولا وألافور الياسون وتوني بيبيلوتي وأورسلر ريست وبيير كيركبي وجيمس توريل، والعربية منى حاطوم، وكارستن هوللر.

ولقد أسهمت الفنانة الدنماركية فرانشيسكا كلاوسن، العائدة من باريس عام 1932، بنقل الفن التجريدي إلى موطنها بطريقة لم يعهدها فنان ذلك الزمن. وحتى يومنا هذا لا تزال تلك الأعمال الفنية تشكل إلهاماً لكثيرين في بلدها، وهي تحتل مكانة مميزة في متحف آرهوس للفنون.

إقرأ أيضاً: متحف في هاواي يعرض قطعاً منتشلة من يخت غارق

الفن الكلاسيكي
يقدم عبر سلسلة عروض ومعارض بعنوان "من أبيلغوورد إلى كيركبي" بلوحات تعود إلى العام 1743 للشاب أبيلغوورد الذي أصبح أستاذاً في أكاديمية الفنون. لقد هيمن التاريخ والإنجيل والأدب على لوحاته التي زيّنت في عصره القصور والمباني العامة. في الفترة التالية، منذ 1800، انتشرت اللوحات الطبيعة والواقعية، حيث جسّدت حروب شليسفيغ مع ألمانيا والجدل حول الدستور والتحول من الملكية المطلقة.

إذاً، باستطاعة الزائر تذوّق الفنون بالانتقال من مرحلة إلى أخرى، مروراً بأسماء عدة، منها بينسار (1849 ـ 1934)، ونويل (1815 ـ 1881)، إلى أن يصل إلى مرحلة الفن الحديث الذي شهد ثورة حقيقية في المجال منذ تأثر ذلك الجيل بانتقاله إلى باريس وعصر الفن السوريالي وسيغموند فرويد، إلى عصر بيير كيركبي الذي ولد في عام 1938 في فنه الحالم بعالم أفضل.

الغرفة التاسعة
هو فن بعنوان "الخروج من الظلمات إلى النور"، وفيه استخدام لأدوات فنون الستينيات والسبعينيات لناحية استخدام الفيديو فيه والأدوات الحديثة لفنون خاصة يعتبرونها هنا "فناً مستقلاً بحد ذاته". أما فنون الأساطير والخرافات، وبالرغم من أن المفردتين تحتلان معنى سلبياً عند المتلقي إلا أنها تطرح بطريقة فلسفية بلوحات "الفن والحب" في البحث عن أجوبة وجودية نفسية واجتماعية وطبيعية. ورشة للأطفال والشباب ليعبّروا بطريقة غير تقليدية عن أنفسهم من خلال الفن وما يقدمه لهم المتحف من مساحات وأدوات، وبعض أعمالهم يجري تعليقها للزائرين الآخرين.

أما بساط الريح للأطفال، حيث ومن خلاله، يترك الأطفال من سن 3 إلى 8 سنوات مع مرشدين يجوبون بهم تاركين لمخيلتهم طرح أي سؤال يخطر ببالهم عن الفن واللوحات التي يشاهدونها، ويجيب هؤلاء بكل صراحة على أسئلة الأطفال بعد أن يكون الوالدان قد منحا موافقتهما على تلك الجولة بما فيها شرح عن "الاستفزاز في الفن"، وخصوصا تلك التي تبدو فيها رسوم غير تقليدية بالنسبة للأطفال. عموماً يقدم لك متحف آرهوس فرصة مهما كان ولعك بالفن ونوعه بأن تشارك فيه بما تشاء، فالفن بالنسبة لهذا المتحف هو "كل شيء.. فتعالَ وشارك"، يقولون لك كزائر إليه.

إقرأ أيضاً: "المتحف العربي الأميركي" يروي حكاية المهاجرين


دلالات
المساهمون