تطاول الفوضى الأمنية في ليبيا ثقافة وتراث البلاد، وباتت الآثار التاريخية مصدراً للتربّح بالرغم من كونها جريمة يعاقب عليها القانون المحلي والدولي.
عشرات القطع الأثرية أعلن عن ضبطها في دول الجوار الليبي في طريقها للتهريب إلى أسواق عالمية لبيع الآثار. وقد كشف أخيراً عن عصابة مكونة من تونسيين وليبي، جرى ضبطهم الأسبوع الماضي في تونس أثناء تهريب قطع أثرية ومخطوطات تقدر بملايين الدولارات. قبل ذلك، ألقت السلطات الجزائرية الشهر الماضي القبض على مهرب آثار ليبي، كان يتجه عبر الحدود بكمية من القطع لإيصالها إلى بعض التجار.
إذا كانت جريمة تهريب الآثار في ليبيا معروفة منذ عقود فإنّ ضعف الأجهزة الأمنية وانقسام المؤسسات المعنية بالآثار في البلاد، زاد من ظهور هذه الجريمة إلى حدّ إعلان تجار الآثار عن بضائعهم على شبكة الإنترنت، بل فتح صفحات متخصصة على شبكات التواصل الاجتماعي علناً.
صفحة "بيع وشراء أراض وعقارات وتحف نادرة في ليبيا" أشهر منصات بيع الآثار الليبية، اشتهرت بين تجار ومهربي الآثار طوال عامي 2015 و2016 لتقفل بعد موجة انتقادات واسعة أطلقها ناشطون ليبيون. لكنّ من كان يتخذها مساحة للإعلان عن بضاعته تحول إلى منصات إعلان أخرى تعج بها شبكات التواصل.
على مواقع الإنترنت يشتهر موقع "سوق ليبيا المفتوح" بمشاركته في هذه التجارة غير القانونية إذ يسمح للمهربين بعرض بضائعهم وترك عناوينهم وأرقام هواتفهم وصور لعينات الآثار التي يرغبون في بيعها، فتجري المزايدة على سعر القطعة الأثرية المعروضة من خلال التعليقات.
وكدلالة على انتشار بيع الآثار، تعرض بعض صفحات الإنترنت بيع آلات التنقيب، وأهمها أجهزة الكشف عن المعادن التي تكشف عن وجود الذهب والمسكوكات.
من أشهر قطع الآثار الليبية التي بقيت قيد التداول والمزايدة بين المهربين والمهتمين بجمع النوادر، مخطوط لكتاب ديني يهودي لا يعرف تاريخ كتابته، وقد عرض على أغلب منصات الإعلان عن بيع الآثار وسط حديث متزايد عن وجوده لدى مهرب آثار بجبل نفوسة، غرب ليبيا.
ومن القطع الأثرية التي رصدتها "العربي الجديد" مخطوطة في تدبير بدن الإنسان لرئيس أطباء الدولة العثمانية صالح بن نصرالله الحلبي (توفي عام 1670) بالإضافة إلى كتب بطبعات حجرية قديمة.
اقــرأ أيضاً
وعلى مستوى الموجودات الأثرية، عرض تجار عشرات القطع من مصابيح وتماثيل وجرار وأنواعاً من المسكوكات التي تعود إلى فترات ليبية قديمة ضمن العهد الإغريقي في شرق البلاد، والروماني في غربها، والعهد العثماني أيضاً.
اتصلت "العربي الجديد" بأحد التجار على رقم هاتفه فأفاد بأنّه يملك عدداً كبيراً من المسكوكات التاريخية، ويرغب في بيعها لمن يدفع أكثر. كثير من العارضين لا يعرفون عمّا يتحدثون من آثار، لكنّ البعض على اطلاع ومعرفة، ومنهم هذا التاجر الذي يعرّف نفسه باسم علي التاجوري. يتحدث عن خصائص نقود كلّ فترة تاريخية وأماكن العثور عليها وأصناف زبائنه. فعن أماكن العثور على هذه القطع يؤكد أنّها تجري بجهوده الخاصة مع زملاء له من خلال التنقيب في أماكن المدن الأثرية البعيدة، وتسمى محلياً بـ"الخرائب". يقول التاجوري إنّه نقب وحده في ثلاثة مواقع، وأنّ المواقع الأثرية تكثر في جبل نفوسة غرباً والجبل الأخضر شرقاً.
يقول التاجوري عن زبائنه: "نتواصل عبر الهاتف أولاً حتى أطمئن لهم ثم يمكن التواصل معهم عن طريق أشخاص، فلدينا أصدقاء في كلّ مكان". يؤكد أنّ فنادق طرابلس كثيراً ما ينزل فيها هواة جمع النوادر التاريخية من الأجانب. وعن ارتباطه بمافيات تهريب الآثار، يؤكد التاجوري أنّ تلك العصابات تنتشر في مصر، وبالتالي فلها ارتباط بمهربي الآثار في شرق البلاد بشكل واسع، أما في غرب البلاد فصلاتهم بهم قليلة، لكنّه يشير إلى أنّهم يعتمدون على الهواة الأجانب الذين يلتقون بهم في طرابلس أو تونس.
على الصعيد الرسمي، فإنّ مصلحة الآثار هي الجهة الحكومية الوحيدة المسؤولة عن الآثار في ليبيا. وكغيرها من مؤسسات البلاد منقمسة على نفسها بين إدارتين تبعاً لحكومتي البلاد في طرابلس والبيضاء. يقول الباحث الليبي سليم بوفنادة إنّ مصلحة الآثار تنبهت للفوضى مبكراً واتخذت خططاً احترازية منذ الأعوام الأولى للثورة، فقد نقلت أكثر القطع الأثرية الليبية ندرة وقيمة إلى مخازن محكمة القفل والحراسة وأنقذتها من الضياع، كما أقفلت كلّ المتاحف في ليبيا أمام الزائرين.
يتابع بوفنادة في حديث مع "العربي الجديد" أنّ "ليبيا بلد بكر لا يتجاوز ما ظهر من آثارها 30 في المائة فقط والباقي ما زال مطموراً تحت الرمال أو مياه البحر". يتابع أنّ "المدن الأثرية الليبية الشهيرة لم تقع فيها سرقات، كما أنّ المتاحف لم تطاولها أيدي تجار الآثار إلاّ بنسب ضيئلة جداً". يشير إلى أنّ أشهر تلك السرقات كنز بنغازي المقدر بثمانية آلاف قطعة نقدية سرقت عام 2011 من مقر البنك التجاري في بنغازي، الذي كان يحتفظ بها كوديعة من مصلحة الآثار الليبية. ويسجل أيضاً اعتداءين فاشلين على متحف صبراتة، غرب البلاد، في الأعوام الماضية.
مع كلّ ذلك، يؤكد بوفنادة أنّ الآثار الليبية تعاني خطراً كبيراً من قبل تجار الآثار والتنقيب الجائر، فسلطة مصلحة الآثار لا تصل إلى المناطق النائية الكثيرة في البلاد.
اقــرأ أيضاً
عشرات القطع الأثرية أعلن عن ضبطها في دول الجوار الليبي في طريقها للتهريب إلى أسواق عالمية لبيع الآثار. وقد كشف أخيراً عن عصابة مكونة من تونسيين وليبي، جرى ضبطهم الأسبوع الماضي في تونس أثناء تهريب قطع أثرية ومخطوطات تقدر بملايين الدولارات. قبل ذلك، ألقت السلطات الجزائرية الشهر الماضي القبض على مهرب آثار ليبي، كان يتجه عبر الحدود بكمية من القطع لإيصالها إلى بعض التجار.
إذا كانت جريمة تهريب الآثار في ليبيا معروفة منذ عقود فإنّ ضعف الأجهزة الأمنية وانقسام المؤسسات المعنية بالآثار في البلاد، زاد من ظهور هذه الجريمة إلى حدّ إعلان تجار الآثار عن بضائعهم على شبكة الإنترنت، بل فتح صفحات متخصصة على شبكات التواصل الاجتماعي علناً.
صفحة "بيع وشراء أراض وعقارات وتحف نادرة في ليبيا" أشهر منصات بيع الآثار الليبية، اشتهرت بين تجار ومهربي الآثار طوال عامي 2015 و2016 لتقفل بعد موجة انتقادات واسعة أطلقها ناشطون ليبيون. لكنّ من كان يتخذها مساحة للإعلان عن بضاعته تحول إلى منصات إعلان أخرى تعج بها شبكات التواصل.
على مواقع الإنترنت يشتهر موقع "سوق ليبيا المفتوح" بمشاركته في هذه التجارة غير القانونية إذ يسمح للمهربين بعرض بضائعهم وترك عناوينهم وأرقام هواتفهم وصور لعينات الآثار التي يرغبون في بيعها، فتجري المزايدة على سعر القطعة الأثرية المعروضة من خلال التعليقات.
وكدلالة على انتشار بيع الآثار، تعرض بعض صفحات الإنترنت بيع آلات التنقيب، وأهمها أجهزة الكشف عن المعادن التي تكشف عن وجود الذهب والمسكوكات.
من أشهر قطع الآثار الليبية التي بقيت قيد التداول والمزايدة بين المهربين والمهتمين بجمع النوادر، مخطوط لكتاب ديني يهودي لا يعرف تاريخ كتابته، وقد عرض على أغلب منصات الإعلان عن بيع الآثار وسط حديث متزايد عن وجوده لدى مهرب آثار بجبل نفوسة، غرب ليبيا.
ومن القطع الأثرية التي رصدتها "العربي الجديد" مخطوطة في تدبير بدن الإنسان لرئيس أطباء الدولة العثمانية صالح بن نصرالله الحلبي (توفي عام 1670) بالإضافة إلى كتب بطبعات حجرية قديمة.
وعلى مستوى الموجودات الأثرية، عرض تجار عشرات القطع من مصابيح وتماثيل وجرار وأنواعاً من المسكوكات التي تعود إلى فترات ليبية قديمة ضمن العهد الإغريقي في شرق البلاد، والروماني في غربها، والعهد العثماني أيضاً.
اتصلت "العربي الجديد" بأحد التجار على رقم هاتفه فأفاد بأنّه يملك عدداً كبيراً من المسكوكات التاريخية، ويرغب في بيعها لمن يدفع أكثر. كثير من العارضين لا يعرفون عمّا يتحدثون من آثار، لكنّ البعض على اطلاع ومعرفة، ومنهم هذا التاجر الذي يعرّف نفسه باسم علي التاجوري. يتحدث عن خصائص نقود كلّ فترة تاريخية وأماكن العثور عليها وأصناف زبائنه. فعن أماكن العثور على هذه القطع يؤكد أنّها تجري بجهوده الخاصة مع زملاء له من خلال التنقيب في أماكن المدن الأثرية البعيدة، وتسمى محلياً بـ"الخرائب". يقول التاجوري إنّه نقب وحده في ثلاثة مواقع، وأنّ المواقع الأثرية تكثر في جبل نفوسة غرباً والجبل الأخضر شرقاً.
يقول التاجوري عن زبائنه: "نتواصل عبر الهاتف أولاً حتى أطمئن لهم ثم يمكن التواصل معهم عن طريق أشخاص، فلدينا أصدقاء في كلّ مكان". يؤكد أنّ فنادق طرابلس كثيراً ما ينزل فيها هواة جمع النوادر التاريخية من الأجانب. وعن ارتباطه بمافيات تهريب الآثار، يؤكد التاجوري أنّ تلك العصابات تنتشر في مصر، وبالتالي فلها ارتباط بمهربي الآثار في شرق البلاد بشكل واسع، أما في غرب البلاد فصلاتهم بهم قليلة، لكنّه يشير إلى أنّهم يعتمدون على الهواة الأجانب الذين يلتقون بهم في طرابلس أو تونس.
على الصعيد الرسمي، فإنّ مصلحة الآثار هي الجهة الحكومية الوحيدة المسؤولة عن الآثار في ليبيا. وكغيرها من مؤسسات البلاد منقمسة على نفسها بين إدارتين تبعاً لحكومتي البلاد في طرابلس والبيضاء. يقول الباحث الليبي سليم بوفنادة إنّ مصلحة الآثار تنبهت للفوضى مبكراً واتخذت خططاً احترازية منذ الأعوام الأولى للثورة، فقد نقلت أكثر القطع الأثرية الليبية ندرة وقيمة إلى مخازن محكمة القفل والحراسة وأنقذتها من الضياع، كما أقفلت كلّ المتاحف في ليبيا أمام الزائرين.
يتابع بوفنادة في حديث مع "العربي الجديد" أنّ "ليبيا بلد بكر لا يتجاوز ما ظهر من آثارها 30 في المائة فقط والباقي ما زال مطموراً تحت الرمال أو مياه البحر". يتابع أنّ "المدن الأثرية الليبية الشهيرة لم تقع فيها سرقات، كما أنّ المتاحف لم تطاولها أيدي تجار الآثار إلاّ بنسب ضيئلة جداً". يشير إلى أنّ أشهر تلك السرقات كنز بنغازي المقدر بثمانية آلاف قطعة نقدية سرقت عام 2011 من مقر البنك التجاري في بنغازي، الذي كان يحتفظ بها كوديعة من مصلحة الآثار الليبية. ويسجل أيضاً اعتداءين فاشلين على متحف صبراتة، غرب البلاد، في الأعوام الماضية.
مع كلّ ذلك، يؤكد بوفنادة أنّ الآثار الليبية تعاني خطراً كبيراً من قبل تجار الآثار والتنقيب الجائر، فسلطة مصلحة الآثار لا تصل إلى المناطق النائية الكثيرة في البلاد.