مع تغير المناخ تتأثر الدورة الحياتية للكائنات الحية، فتتغير تصرفاتها ومواعيد تحولاتها أو تنقلاتها أو تزاوجها أو هجرتها بشكل ظاهر للعيان، خصوصاً لدى الطيور.
وفي الشرق الأوسط تبدو الأمور واضحة أكثر حيث بدأت الطيور المهاجرة من أفريقيا إلى أوروبا مروراً بالمنطقة تتأخر بشكل ملحوظ. ففي السنوات القليلة الماضية سجلنا تأخراً للطيور الجارحة (عقبان، نسور، بواشق) والكركي (الرهو) واللقلاق (العرنوق) لمدة متوسطها 10 أيام. هذا التفاقم في التغير ليس سوى محاولة من الطيور للتأقلم أو التكيف مع تغير المناخ الحاصل وما هو إلاّ إشارة في نفس الوقت إلى مدى تغير المناخ.
في السادس من أبريل/ نيسان الماضي، وصلتنا رسالة إلكترونية من متتبعي حركة هجرة الطيور المزودة بأجهزة إرسال متصلة بالأقمار الصناعية، تؤكد أنّ العقاب الرقطاء الصغيرة قد وصلت بأعداد جد قليلة من جنوب ووسط أفريقيا إلى شمال أفريقيا (قناة السويس). وهذا يعني أنها بحاجة إلى 5 أيام لتصل إلى لبنان على سبيل المثال.
أما في ما يتعلق بالطيور المشتية في منطقة الشرق الأوسط فهي طيور تفرخ في شمال ووسط أوروبا مثل أبو الحن ثم تتجه جنوباً للإشتاء. ومنها ما يتوقف ليشتي في تركيا ومنها ما يتوقف في سورية أو لبنان أو فلسطين، أو مصر وغيرها. وأثر تغير المناخ بهذه الفئة فأصبح ما كان يشتي في مصر يكتفي بالإشتاء شمالاً في فلسطين، وما كان يشتي في فلسطين أصبحت بقعة إشتائه في لبنان وهكذا.
في المقابل، أفاد تغير المناخ طائر الصلنج الذي يفرّخ في أوروبا الجنوبية ويتجه جنوباً إلى منطقة الشرق الأوسط للإشتاء. فبعد ارتفاع درجات الحرارة أصبح يفضل البقاء في البلاد التي يفرخ بها أثناء فصل الشتاء الذي بات أكثر دفئاً ليتحول بذلك إلى طائر مستوطن غير مهاجر، أي لا يحتاج إلى الهجرة نحو الشرق الأوسط حيث كان يتعرض للقتل على أيدي الصيادين العشوائيين. كذلك بات يحظى بحماية القانون في معظم الدول الأوروبية والذي ينص على عدم اصطياد الطيور المستوطنة غير المهاجرة.
بالنسبة للطيور المفرّخة، فقد نزحت الطيور ذات الأصول الصحراوية الحارة والصحراوية الجافة وحتى المدارية بعد ارتفاع الحرارة في موائلها، باتجاه الشمال إلى مناطق أصبحت بجفافها تضاهي ما كانت عليه صحاريها. وهكذا إمتلأت منطقة الهرمل والقاع وراس بعلبك (شرق لبنان) بسبعة أنواع جديدة. هذا الوضع شكل ضغطاً على الأنواع التي كانت سابقاً تمثل المنطقة ما حدا ببعضها إلى النزوح شمالاً باتجاه سورية، فيما ينتظر الباقي اشتداد تغير المناخ قبل الرحيل شمالاً.
(اختصاصي في علم الطيور البرية)
اقرأ أيضاً: العلاقة الاجتماعية بين الطيور والإنسان