"لا أفهم ما الذي يصيبني. منذ عامَين وأنا غير قادر على نسيان تلك الأشلاء. عائلة عمي تظهر لي مضرجة بالدماء، في منامي. فأستيقظ وأنا غير مدرك الوقت ولا المكان. وتتكرّر الكوابيس". بهذه الكلمات يحاول عمار - من طرطوس السوريّة - أن يشرح وضعه باختصار لطبيب نفسيّ متخصّص في معالجة ضحايا التعذيب والحروب.
أما الأخير فيؤكد أن "كثيرين هم أمثال عمار الذين لا يدركون أنهم يعانون الصدمات النفسيّة وأعراضها، إلا بعد الخروج من منطقة الخطر". ويعاني عدد كبير من السوريّين النازحين من اضطراب ما بعد الصدمة، إلا أن بعضهم يربط ذلك بـ "الجنون". وهذا ليس غريباً على شعوب تعتبر الصحة النفسيّة من المحرمات.
وكان قد سبق للسوريّين وغيرهم من اللاجئين الذين قصدوا البلدان الاسكندنافيّة، أن تلقوا العلاج وخضعوا إلى إعادة تأهيل في مراكز متخصصة. وقبل أن يصل اللاجئ - ضحيّة الحروب أو التعذيب - إلى واحد من تلك المراكز، لا بدّ من أن يخضع إلى تقييم من متخصّصين في الصحة النفسيّة والعقليّة، يحوّلونه من بعدها إلى مركز ما. وعامر كان قد انتظر أشهراً قبل أن يحصل على دوره.
وحتى في تلك الجلسات التقييميّة، يجد كثيرون صعوبة في البوح بما يعيشونه ويعانونه.
يشرح المتخصّص في علم النفس بيارنه رامستروب أوضاع هؤلاء قائلاً لـ"العربي الجديد": "لا يمكن للمجتمع أن يرى عذاباتهم النفسيّة. إصاباتهم ليست في القدم ولا في الذراع، لتكون مرئيّة ومفهومة من محيطهم. الصدمات النفسيّة أصعب وأعمق مما يظن الناس. وهذه الصدمات ليست إلا ردود فعل طبيعيّة على تجارب غير طبيعيّة. هكذا نفسّرها علميّاً، حتى يفهم المصابون بها أنها لا تعني الجنون ولا تعني أي شيء مخجل".
إلى ذلك، يتحدّث الاختصاصيّون عن الاضطرابات النفسيّة - الجسديّة التي تصيب اللاجئين الوافدين، الذين خبروا التهجير والدمار والمطاردة. فيصبح هؤلاء بحسب ما يشرح رامستروب "في دائرة مفرغة ومفزعة لبعضهم. فهم لم يعانوا من صداع دائم من قبل ولا من أوجاع جسديّة، وفجأة تراهم يشكون كثيراً من تلك الآلام الناجمة عن حالة نفسيّة لا يدركونها".
عمار ليس الوحيد الذي يجد صعوبة في تعلم لغة جديدة. فكثيرون هم الذين يعترفون بأنهم غير قادرين على الاستيعاب والتركيز والانتباه إلى ما يقوله مدرّسو اللغة، سواء أكان الأمر متعلقاً بلغات اسكندنافيّة أو بالألمانيّة.
ويقرّ عدد كبير من هؤلاء أنهم يجدون أنفسهم فجأة في "عالم آخر"، عاجزين عن السيطرة على مشاعرهم وعلى حركاتهم. لكن مدرّسي اللغة الذين يجهلون كيفيّة التعاطي مع هذه الحالات الخاصة، هم كثر. لذا، ينشط خبراء علم النفس في القطاعَين العام والخاص، فينظمون ندوات لهؤلاء وكذلك لرجال الشرطة وموظفي الدوائر الحكوميّة والعاملين في المستشفيات ليشرحوا لهم ما يمرّ به هؤلاء.
ويعترف بعض اللاجئين، وخصوصاً الذين من سورية، بالصعوبات التي يواجهونها مع غيرهم من العرب والسوريّين أيضاً، إذ هؤلاء لا يدركون معاناتهم. ويقولون: "قد يخطئ بعضهم عندما يظنّ أننا متكاسلون ولا نرغب في القيام بأي شيء". فيحاول هؤلاء الالتزام بجلسات العلاج، والظهور بأنهم متماسكون أمام محيطهم.
ويحذّر بعض المحللين والأطباء النفسيّين من مخاطر تفاقم الحالات الرافضة للعلاج لتصل إلى الاكتئاب الشديد، الذي قد يؤدي بالبعض إلى أفكار سوداويّة من قبيل الانتحار والطلاق والابتعاد عن العائلة. ويرى رامستروب أن "أفضل الطرق التي يتوجّب على الأهل اعتمادها، هي الحديث بانفتاح مع الأطفال". يضيف: "من غير الضروري الاعتراف بما يعانونه تحديداً، ويكفي أن يقولوا لهم، إن والدك (أو والدتك) يعاني من مشكلة صحيّة ما مؤقتة، لكنه سيصبح أفضل حالاً". ويتابع أن "المشكلات التي يعاني منها اللاجئون تزول مع الوقت، كلما أسرعوا بالعلاج".
من جهة أخرى، كثيراً ما يصطدم اللاجئون الجدد بواقع مختلف تماماً عما كان مرسوماً في مخيلتهم. وهذا من شأنه أن يفاقم اضطرابهم. فيسرّع ظهور آثار الصدمات، ما يؤدي إلى تصادم مع المحيط الاجتماعي الجديد ومع الأنظمة والقوانين والأعراف.
بالنسبة إلى عمار، فإن "الأمر بلغ حدّه حين وجدت نفسي أفكر في الانتحار. لم أعد قادراً على إقناع أهلي بأنني لا أستطيع توفير تلك المبالغ لأهرّبهم، وفي الوقت نفسه بدأت أعاني من حالة اكتئاب شديد، نتيجة مرور عامَين من دون أن أستوعب شيئاً من اللغة. وذلك على الرغم من رغبتي الشديدة في تعلمها". يضيف: ذاكرتي تخونني في ما يتعلّق بالفترة الأخيرة. أما الماضي، فيجتاحني في اليقظة وفي المنام، أيضاً، على شكل كوابيس وأحلام مزعجة تؤرقني.. ولا أعرف أين أنا".
أما الأخير فيؤكد أن "كثيرين هم أمثال عمار الذين لا يدركون أنهم يعانون الصدمات النفسيّة وأعراضها، إلا بعد الخروج من منطقة الخطر". ويعاني عدد كبير من السوريّين النازحين من اضطراب ما بعد الصدمة، إلا أن بعضهم يربط ذلك بـ "الجنون". وهذا ليس غريباً على شعوب تعتبر الصحة النفسيّة من المحرمات.
وكان قد سبق للسوريّين وغيرهم من اللاجئين الذين قصدوا البلدان الاسكندنافيّة، أن تلقوا العلاج وخضعوا إلى إعادة تأهيل في مراكز متخصصة. وقبل أن يصل اللاجئ - ضحيّة الحروب أو التعذيب - إلى واحد من تلك المراكز، لا بدّ من أن يخضع إلى تقييم من متخصّصين في الصحة النفسيّة والعقليّة، يحوّلونه من بعدها إلى مركز ما. وعامر كان قد انتظر أشهراً قبل أن يحصل على دوره.
وحتى في تلك الجلسات التقييميّة، يجد كثيرون صعوبة في البوح بما يعيشونه ويعانونه.
يشرح المتخصّص في علم النفس بيارنه رامستروب أوضاع هؤلاء قائلاً لـ"العربي الجديد": "لا يمكن للمجتمع أن يرى عذاباتهم النفسيّة. إصاباتهم ليست في القدم ولا في الذراع، لتكون مرئيّة ومفهومة من محيطهم. الصدمات النفسيّة أصعب وأعمق مما يظن الناس. وهذه الصدمات ليست إلا ردود فعل طبيعيّة على تجارب غير طبيعيّة. هكذا نفسّرها علميّاً، حتى يفهم المصابون بها أنها لا تعني الجنون ولا تعني أي شيء مخجل".
إلى ذلك، يتحدّث الاختصاصيّون عن الاضطرابات النفسيّة - الجسديّة التي تصيب اللاجئين الوافدين، الذين خبروا التهجير والدمار والمطاردة. فيصبح هؤلاء بحسب ما يشرح رامستروب "في دائرة مفرغة ومفزعة لبعضهم. فهم لم يعانوا من صداع دائم من قبل ولا من أوجاع جسديّة، وفجأة تراهم يشكون كثيراً من تلك الآلام الناجمة عن حالة نفسيّة لا يدركونها".
عمار ليس الوحيد الذي يجد صعوبة في تعلم لغة جديدة. فكثيرون هم الذين يعترفون بأنهم غير قادرين على الاستيعاب والتركيز والانتباه إلى ما يقوله مدرّسو اللغة، سواء أكان الأمر متعلقاً بلغات اسكندنافيّة أو بالألمانيّة.
ويقرّ عدد كبير من هؤلاء أنهم يجدون أنفسهم فجأة في "عالم آخر"، عاجزين عن السيطرة على مشاعرهم وعلى حركاتهم. لكن مدرّسي اللغة الذين يجهلون كيفيّة التعاطي مع هذه الحالات الخاصة، هم كثر. لذا، ينشط خبراء علم النفس في القطاعَين العام والخاص، فينظمون ندوات لهؤلاء وكذلك لرجال الشرطة وموظفي الدوائر الحكوميّة والعاملين في المستشفيات ليشرحوا لهم ما يمرّ به هؤلاء.
ويعترف بعض اللاجئين، وخصوصاً الذين من سورية، بالصعوبات التي يواجهونها مع غيرهم من العرب والسوريّين أيضاً، إذ هؤلاء لا يدركون معاناتهم. ويقولون: "قد يخطئ بعضهم عندما يظنّ أننا متكاسلون ولا نرغب في القيام بأي شيء". فيحاول هؤلاء الالتزام بجلسات العلاج، والظهور بأنهم متماسكون أمام محيطهم.
ويحذّر بعض المحللين والأطباء النفسيّين من مخاطر تفاقم الحالات الرافضة للعلاج لتصل إلى الاكتئاب الشديد، الذي قد يؤدي بالبعض إلى أفكار سوداويّة من قبيل الانتحار والطلاق والابتعاد عن العائلة. ويرى رامستروب أن "أفضل الطرق التي يتوجّب على الأهل اعتمادها، هي الحديث بانفتاح مع الأطفال". يضيف: "من غير الضروري الاعتراف بما يعانونه تحديداً، ويكفي أن يقولوا لهم، إن والدك (أو والدتك) يعاني من مشكلة صحيّة ما مؤقتة، لكنه سيصبح أفضل حالاً". ويتابع أن "المشكلات التي يعاني منها اللاجئون تزول مع الوقت، كلما أسرعوا بالعلاج".
من جهة أخرى، كثيراً ما يصطدم اللاجئون الجدد بواقع مختلف تماماً عما كان مرسوماً في مخيلتهم. وهذا من شأنه أن يفاقم اضطرابهم. فيسرّع ظهور آثار الصدمات، ما يؤدي إلى تصادم مع المحيط الاجتماعي الجديد ومع الأنظمة والقوانين والأعراف.
بالنسبة إلى عمار، فإن "الأمر بلغ حدّه حين وجدت نفسي أفكر في الانتحار. لم أعد قادراً على إقناع أهلي بأنني لا أستطيع توفير تلك المبالغ لأهرّبهم، وفي الوقت نفسه بدأت أعاني من حالة اكتئاب شديد، نتيجة مرور عامَين من دون أن أستوعب شيئاً من اللغة. وذلك على الرغم من رغبتي الشديدة في تعلمها". يضيف: ذاكرتي تخونني في ما يتعلّق بالفترة الأخيرة. أما الماضي، فيجتاحني في اليقظة وفي المنام، أيضاً، على شكل كوابيس وأحلام مزعجة تؤرقني.. ولا أعرف أين أنا".