بطريقتهنّ الخاصة التي تجمع ما بين الأصالة والحداثة، نجحت ستّ شقيقات فلسطينيات من قطاع غزة في تحويل هوايتهنّ، التطريز اليدوي، إلى مهنة تدرّ عليهنّ الدخل، على الرغم من اختلاف مجالاتهنّ الدراسية. وشكّلن معاً فريقاً أطلقن عليه اسم "6 فلاورز" أي "الأزهار الست".
بدأ الأمر مذ كنّ صغيرات، بهواية جمعت بين الشقيقات الأكبر سناً. في تلك الأثناء، كنّ ينتجن بعض المطرّزات ويقدّمنها كهدايا للأقارب والأصدقاء. وراحت هوايتهنّ تجذب الشقيقات الأخريات، قبل أن تتحوّل مهنة تشغل أكثر أوقات بدور ونور وندرين وبسمة وآية وهبة شعشاعة.
في منزلهنّ الريفي الواقع في بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، يعكفن لساعات طويلة على تحضير المطرّزات. في الماضي، كنّ يجهزن بعض الأعلام والإكسسوارات والمَحافظ الشخصية وملحقات الزينة، ليعرضنها من ثمّ للبيع على المقرّبين. أما اليوم، فتردهنّ الطلبات من الداخل والخارج، ليتحوّل المنزل إلى ما يشبه المصنع.
تشدّد بدور على أن جودة العمل الذي يقدّمنه بالتوازي مع حرصهنّ على مواكبة الحداثة، ساهم في زيادة الإقبال على المطرّزات التي ينتجنها. وتشير إلى أن سيدات كثيرات يتواصلن معهنّ ويطلبن منتجات بعينها. وهو حال مؤسسات وجمعيات عدّة داخل قطاع غزة. تضيف بدور: "لم أكن أتوقّع أن يلقى عملنا كل هذا الإقبال، خصوصاً أن تكلفة منتجاتنا مرتفعة بعض الشيء، بالتالي فإنها ليست في متناول الجميع. وعلى الرغم من ذلك، يتزايد الإقبال وقد توسّع نطاق عملنا وأصبحت تردنا طلبات من خارج غزة".
في السياق، تشير نور إلى أن انتشار مواقع التواصل الاجتماعي لا سيّما "فيسبوك"، شكّل فرصة جيّدة لهنّ لعرض منتجاتهنّ. وقد أطلقن صفحة خاصة بهنّ تحمل اسم "The 6 Flowers"، يتلقين من خلالها طلبات من فلسطينيّين مغتربين وحتى بعض العرب، خصوصاً في دول الخليج. وتقول نور: "أدركنا منذ البداية أهمية الاستفادة من التكنولوجيا ووسائطها. غزّة صغيرة، ومهما كان الإقبال جيداً من قبل سكانها على منتجاتنا، إلا أنه يبقى محصوراً. لذلك نحاول عبر مواقع التواصل، الترويج للمطرزات التي تستنزف منا كثيراً من الوقت والجهد. واليوم، تصلنا طلبات كثيرة، لكننا نواجه للأسف صعوبات كبيرة حين يتعلق الأمر بإرسال المنتجات".
الطريقة الوحيدة بالنسبة إلى الشقيقات الست لإيصال ما ينتجنه من مطرّزات إلى الزبائن في خارج القطاع، هو إرسالها عبر أقارب وأصدقاء يحظون بفرصة السفر، في المرات النادرة التي يُفتح فيها معبر رفح. إلى ذلك، يحمل آخرون ممن يسافرون عن طريق معبر "بيت حانون" جزءاً منها، لتصل إلى زبائن في الضفة الغربية والأردن وبعض دول الخليج.
اقرأ أيضاً: ليلى نصّار تساعد نساء غزة وأطفالها
إلى ذلك، تأتي مجالات الدراسة التي اختارتها الشقيقات الستة، وإن بدت مختلفة بين واحدة وأخرى، لتلعب بشكل أو بآخر دوراً في تحسين جودة ما ينتجنه من مطرّزات. ندرين مثلاً، درست الفنون في جامعة الأقصى، وهي بذلك ساهمت في جعل المطرّزات أكثر جمالاً ومواءمة للأذواق، سواء على صعيد الألوان أم الأشكال. وتقول: "حين دخلت الجامعة، كان طموحي بعد التخرّج الحصول على وظيفة في إحدى الشركات. لكن أمام الشحّ في الفرص المتوفرة، وجدت نفسي أطوّع كل ما درسته لخدمة ما كان مجرّد هواية بسيطة في الصغر. واليوم أشعر بالسعادة لأن تعبي لم يذهب سدى". وتحرص ندرين دائماً كما تشدّد، على المزج ما بين الجانب التراثي والحداثي. وهو ما جذب إلى منتجاتها وشقيقاتها، عدداً كبيراً من الشابات اللواتي يهتممن بالموضة، ويحرصن مثلاً على اقتناء المتميّز من المَحافظ الشخصية وتلك الخاصة بالهواتف المحمولة، بالإضافة إلى أدوات الزينة والمعلقات الجدارية وغيرها.
أما عن ترويج المنتجات محلياً، فلم تعد الشقيقات الستّ ينتظرن اتصالات المهتمين والمهتمات ليؤمنّ لهم المطرّزات المطلوبة، بل رحن يشاركن في عديد من المعارض الخاصة في غزة. وقد نجحن أخيراً في الحصول على جناح دائم في أحد المحالات الشهيرة في غزة، والذي يحظى بإقبال لافت.
طموح فريق "الزهرات الستّ" لا يعرف حدوداً كما يبدو، فهنّ يحلمن بأن تتحسن الظروف في غزة ويصبح بمقدورهنّ عرض منتجاتهنّ في الخارج. وهنّ يؤكّدن بثقة كبيرة لـ"العربي الجديد" على أنه لو فُتح لهنّ المجال، فسوف ينافسن شركات كبيرة، وسيوفّرن عشرات فرص العمل في غزة. لكن كلّ ذلك يبقى مرهوناً بواقع الأحوال في غزة الذي قتل أحلام كثيرين طوال السنوات العشر الأخيرة.
اقرأ أيضاً: "توكتوك" في غزّة