"1980 وإنت طالع" .. عنوان مسرحية تقدمها فرقة "إستوديو البروفة" على مسرح "الهوسابير" في وسط القاهرة. الحقيقة وبعيداً عن العمل الفني وجودته ونجاحه، إلا أن العمل يشير إلى شيء مهم، وهو جيل مواليد الثمانينات من القرن الماضى وهو جيل الشباب الحقيقي، الذى تتراوح أعماره الآن بين 25 – 35 سنة، هذا الجيل الذي ولد فى عهد المخلوع حسني مبارك، والذي تلقى كل القيم السلبية في عهده، من خنوع وخضوع وغياب للديمقراطية والحرية والتطبيع مع إسرائيل، ولكن العجيب أن هذا الجيل هو جيل التغيير الذي تحرك في 2004، وانضم إلى كفاية، وصنع حركة 6 أبريل وأحداث القضاة، وكلنا خالد سعيد، وصنع روابط الأولتراس، والذي نزل وكان طليعة يوم 25 يناير/كانون الثاني 2011 باحثاً عن التغيير، والذي شارك فى عملية التغيير، والذي مارس الضغط على المجلس العسكري ليسلم الحكم، والذي ناصر مرسي ضد شفيق، وصدّق الإخوان وساندهم، وهم أيضاً الجيل الذي وقف ضد الإخوان عندما وجدهم أقل من طموحه، فشارك في 30 يونيو، ثم انقسم بعد 3 يوليو بين مؤيد ومعارض لها، ولكنه أيضاً، هو الجيل الرافض الآن لحكم العسكر وفاشيته، وهو الجيل اليائس والمحبط والباحث عن الهجرة، ليصبح فشله في التغيير مضافاً
إلى كل معاناته التي تتشابه مع معاناة الأجيال الأخرى من معاناة اجتماعية واقتصادية، وصعوبة الحصول على عمل، وتأخر سن الزواج والعنوسة وقهر المجتمع للشباب والمرأة وضغط العادات والتقاليد.
نعم هذا هو جيل 1980 وإنت طالع، بكل ما مر به من معاناة، فشاخ قبل الأوان، وأصبح محملاً بمشاكل شخصية واجتماعية ونفسية واقتصادية وسياسية، الجيل الذي حضر جنازات أصدقائه وأقاربة أكثر من حضور أفراحهم، والذي ذهب إلى المحاكم والسجون لزيارة ذويه أكثر من ذهابه إلى المتنزهات، والذي حمل فى النعوش بدلاً من أن يرفع على كراسي الحكم والقيادة بعد ثورة لم يحدث مثلها فى تاريخ وطننا.
كل ذلك جعل هذا الجيل الآن فى أسوأ حالاته، محملاً بالذكريات الأليمة وفاقداً للقدرة على تحدي الواقع المرير وغابت عنه أي رؤية للمستقبل، أو أمل فيه، في ظل مجتمع تركه يصارع وحيداً بل ويحاربه ويظلمه ويقهره.
نعود إلى العمل المسرحي الذى عبر أبطاله ومؤلفه ومخرجه عن هذا الجيل، وخصوصاً أن جلهم ينتمون إلى هذا الجيل، لذلك فقد أحسنوا التعبير عنه وعن معاناته بدقة وبكلمات بسيطة وبأداء تمثيلي رشيق وبأقل الإمكانيات وبمواهب جديدة (فلا يوجد بين الممثلين أي مشاهير)، وبسعر تذكرة 10 جنيهات مصرية، حتى تناسب إمكانيات هذا الجيل وبدون أي دعاية إلا كلمة للمخرج في نهاية العرض تدعو من حضر إلى دعوة من يعرف إلى الحضور، وينتهي العرض بمشهد مهم هو مشهد الشبورة التي تسد الطريق أمام اثنين من الشباب فيحتاروا، هل يعودون من منتصف الطريق أم يكملونه؟ وهل إذا عادوا سيجدون رفاق الطريق جالسين على المقهى يشمتون فيهم أو على الأقل يتجاهلونهم؟ وفي اللحظة التى يقررون فيها العودة يفاجأون بزملائهم الذين تركوهم فى أول الطريق قد لحقوا ليأخذوا بأيديهم وينيروا لهم الطريق ويتحدوا معهم الشبورة والضباب الذي يخيم في الأفق. لينتهي العرض برسالة أمل.
والحقيقة أن العرض نفسه بإمكانياته المحدودة، هو فى حد ذاته رسالة أمل، أن يكون هناك من هو قادر على الإبداع فى هذا المناخ، ومن هو قادر على تحدي مناخ الفن والإعلام بدون إمكانات مادية تذكر، ومع ذلك يحقق هذا النجاح الهائل، فبعد أن كان المقرر للعرض أن يكون لليلتين فقط وبحضور جماهيري لا يتجاوز عدة أفراد، استمر العرض مدة شهر كامل، وأصبح المسرح ممتلئاً على آخره فى معظم ليالي العرض، هذا التحدي وهذا النجاح هو الأمل. كما أن هذا العرض يدل على أن ثورة يناير هي ثورة حقيقة أثرت فى وجدان وأفكار وعقول الآلاف من الشباب، وهذا التأثير سيظهر، يوماً ما، في شكل من الأشكال، إما إبداعي أو فني أو حتى سياسي، والأكيد أن الجيل الذي شارك فى الثورة لن ينساها، ولن ينسى أهدافها أبداً، حتى لو صمت أو تعثر إلى حين.
فتَحية لمواليد 1980، وما بعدها، وتحية إلى مسرحية "1980 وإنت طالع".
(مصر)