في روايته الرابعة، "1919"(دار الشروق، 2014)، يقفز أحمد مراد عن الراهن السياسي المصري، بكل زخمه وتأزماته، ليستعيد الانتفاضات الشعبية في سبيل استقلال مصر، التي بدأت بـ"هوجة عرابي"، مروراً بثورة 1919 وخيباتها هي الأخرى، لعدم تمكّنها من انتزاع استقلال تام لـ"المملكة المصرية" عن "التاج البريطاني".
ورغم المأزق الذي يشكله السرد الروائي في إطار تاريخي، يذكّرنا الكاتب في الغلاف الداخلي للكتاب بأن "هذه الرواية عمل أدبي، وجميع الشخصيات والأحداث الواردة فيها تم استخدامها في إطار خيالي"؛ ما يدل على أن استخدام الشخصيات السياسية مثل سعد زغلول ومصطفى النحاس وعبد الرحمن فهمي والملك فؤاد.. إلخ، كشخصيات روائية، إنما هو عنصر لخدمة القصة الأساسية وكخلفية وجو عام لأحداث خيالية.
الشخصية الرئيسية للقصة، أحمد كيرة، هي في الواقع شخصية حقيقية، تصفها مقالة منشورة في صحيفة "الوفد" بتاريخ 17 آب/ أغسطس 2011 على النحو الآتي: "فدائي عظيم من الجهاز السري للثورة"، و"بطل منسي"، تعاون مع حزب الوفد للقيام بعمليات اغتيال تستهدف ضباط الجيش البريطاني، كورقة ضغط تسير بشكل موازٍ مع النضال السياسي و"التفاوضي" لـ"الوفد" الذي وصل إلى السلطة، بعد أول انتخابات نيابية حرة، جاءت استحقاقاً ناقصاً لـ"ثورة 1919". وهو ما تناقشه الرواية بشكل ينال من الصورة الرمزية المنمقة لسعد زغلول، إذ تخرجه من صورة الزعيم الوطني لتضعه في مصاف السياسيين البراغماتيين.
يستعير الكاتب العديد من الوثائق والنصوص داخل السرد المشوق للأحداث. ما يظهر عملية بحثه الواسعة التي ساعده فيها أشخاص آخرون (وُضعت قائمة شكر بأسمائهم في آخر الكتاب). وهذا يذكّر بأسلوب الروائي المصري صنع الله إبراهيم، أحد عرّابي أحمد مراد، وتتجاوزه إلى الأميركي "دان براون" في طريقة كتابة الفصول المليئة بالمطاردات بشكل يقترب من مونتاج أفلام الإثارة الهوليودية، وإن كان وصف المشاهد العنيفة استرسالياً وأشبه بسلسلة روايات "رجل المستحيل" لنبيل فاروق.
فطبيعة روايته "الفيل الأزرق" التي وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية هذا العام، دفعت المخرج مروان حامد إلى تحويلها إلى فيلم سينمائي، كتب السيناريو له مراد نفسه. وجاء ذلك بعد تحويل روايته الأولى "فيرتيجو" إلى مسلسل تلفزيوني، مستفيداً من خلفيته السينمائية كخريج المعهد العالي للسينما.
تأثر مراد بشكل واضح بكتابات روائي جماهيري آخر هو أحمد خالد توفيق الذي كتب تعريفاً نقدياً في الغلاف الخلفي للرواية يصف فيها مراد "بالجدية والاتقان". رغم هذا. تتسم النهايات التي تصل إليها الخطوط الدرامية للرواية بالميلودرامية المفرطة. كأنما يجب أن تنعكس حالة الإحباط السياسي وفشل الثورة على الحياة الشخصية للأفراد الذين عاصروها؛ في إسقاط على الواقع المصري اليوم.
بالتالي، فإن تجريد حبكة "1919" من العناصر التاريخية والبوليسية، يعرّيها في المحصلة النهائية. إذ نواجه قصة حب كلاسيكية جمعت أحمد كيرة بالراقصة السورية "ورد" التي هربت من مذابح العثمانيين ضد الأرمن إلى بيوت الدعارة وعالم النوادي الليلية في القاهرة؛ وذلك بعد قصة حب فاشلة جمعت كيرة بالشابة "نازلي" التي تعرّف إليها في بيت سعد زغلول، قبل أن يختطفها منه الملك فؤاد في حفلة أرستقراطية، لنكتشف أنها في الواقع الملكة نازلي.
الرواية التي تقع في 445 صفحة تدفع القارئ، بنفَسها البوليسي وأجوائها التاريخية، إلى التهامها من دون ملل، علماً أن ارتفاع سعرها النسبي (48 جنيهاً للطبعة الأصلية) أدّى إلى قرصنتها وانتشار نُسَخ رخيصة منها على الأرصفة. الأمر الذي لم يمنع نفاد طبعاتها الأربع الأولى في الشهر الأول من توزيعها.