في يوم استقلال الجامعات المصرية، والذي يوافق 9 مارس/ آذار؛ لا يزال هناك جدل كبير حول مدى الالتزام بمعايير الحرية الأكاديمية واستقلال الجامعات المصرية.
في أواخر عام 2003، بدأ تدشين مجموعة "العمل من أجل استقلال الجامعات" المعروفة باسم "حركة 9 مارس"، وفي عام 2004 عقد أول مؤتمر للحركة بعد صراع طويل خاضته مع إدارة جامعة القاهرة.
وكانت أهم المعارك التي اجتازتها الحركة، الحصول على حكم قضائي من المحكمة الإدارية العليا في سبتمبر/ أيلول 2010، ببطلان قرار رئيس الوزراء بإنشاء إدارة الحرس الجامعي بوزارة الداخلية، وهو الحكم الذي أخرج الحرس من جامعة القاهرة، وتم تعميمه على باقي الجامعات بعد ثورة 25 يناير.
إلا أن التهديد الأمني عاد للجامعة مرة أخرى في أعقاب الانقلاب العسكري في 3 يوليو/ تموز 2013، بعد قرار محكمة الأمور المستعجلة بعودة الحرس الجامعي مرة أخرى عام 2014.
تقرير استقلال الجامعات
وفي ذكرى 9 مارس، أصدرت مؤسسة حرية الفكر والتعبير -منظمة مجتمع مدني مصرية- تقريراً مفصلاً، يلقي الضوء على تعريف استقلال الجامعة والحرية الأكاديمية، وفقاً للمواثيق الدولية ذات الصلة، التي تأخذ بها الجامعات في مختلف دول العالم.
وأعربت المنظمة في تقريرها عن "قلقها البالغ من التضييق الشديد الذي يتعرض له أعضاء هيئة التدريس، وتزايد وتيرة التهديدات، والتحويل للتحقيق واتخاذ الإجراءات التأديبية ضد أعضاء هيئة التدريس، والتدخل في عملهم وأبحاثهم الأكاديمية، من قبل إدارات الجامعات الحكومية وجامعة الأزهر. ويأتي ذلك في ظل مناخ عام يسوده تدهور حالة الحرية الأكاديمية واستقلال الجامعة، وتزايد تدخلات السلطة التنفيذية من خلال تعديل التشريعات المتعلقة باختيار القيادات الجامعية والنظام التأديبي لأعضاء هيئة التدريس، وإقالة القيادات الجامعية".
وقالت المؤسسة إن إدارات الجامعات الحكومية وجامعة الأزهر، خضعت خلال العام الأكاديمي الجاري 2014/2015 لضغوط سياسية من قبل السلطة التنفيذية ووسائل الإعلام، فيما يتعلق بعمل أعضاء هيئة التدريس.
وفرضت إدارات الجامعات قيوداً على البحث الأكاديمي والتدريس، بتدخلها في الرسائل العلمية المقدمة في مرحلتي الماجستير والدكتوراه، وعمل أعضاء هيئة التدريس سواء في التدريس أو مناقشة الرسائل العلمية، في ظل مناخ سياسي عام مقيد للحريات.
انتهاكات أكاديمية
وقد رصدت مؤسسة حرية الفكر والتعبير خلال هذا العام الأكاديمي 4 حالات مؤكدة لانتهاك الحرية الأكاديمية على الأقل، أبرزها إحالة الدكتور عادل بدر، أستاذ الفلسفة بجامعة المنصورة، للتأديب، بعد خضوعه لتحقيق بواسطة إدارة الجامعة في 28 فبراير/ شباط الماضي، بتهم
تحريض الطلاب على العنف، والتحريض على قلب نظام الحكم وسب نظام الحكم، بسبب نقاش جرى بينه وبين الدكتور إبراهيم طلبة، خلال مناقشة رسالة ماجستير في الفلسفة بكلية الآداب بجامعة المنصورة في 19 فبراير/شباط الماضي، حيث أبدى بدر انتقاده للنظام السياسي القائم، في إطار عرض الآراء المختلفة، وفي سياق النقاش والرد على زميله الدكتور إبراهيم طلبة، عضو لجنة المناقشة، الذي قال إن النظام القائم يخطو برؤية واضحة نحو المستقبل.
وقررت جامعة المنصورة إيقاف بدر عن العمل لمدة 6 شهور ومنعه من دخول منشآت الجامعة إلا لحضور التحقيقات، ووقف صرف ربع راتبه الشهري، وفقاً لما أدلى به الدكتور عادل بدر لمؤسسة حرية الفكر والتعبير في7 مارس الجاري.
فيما كانت الحالة الثانية للدكتورة مديحة السايح، الأستاذة بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة، والتي أحالتها إدارة جامعة القاهرة للتحقيق وأوقفتها عن العمل لمدة 3 شهور، في 22 يناير/ كانون الثاني الماضي، لقيامها بتدريس مادة علمية من كتابات سيد قطب عن بلاغة القرآن الكريم.
والحالة الثالثة لمجموعة باحثين بجامعة الأزهر مسجلين بالماجستير والدكتوراه، قررت الجامعة تعديل عناوين رسائلهم العلمية، لما وصفته بمخالفة العناوين لفكر الأزهر الوسطي وتهديدها للوحدة الوطنية، وهو ما أكده الدكتور توفيق نور الدين، نائب رئيس جامعة الأزهر في حديثه لمؤسسة حرية الفكر والتعبير، في 28 ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
أما الحالة الرابعة، فهي تتعلق بوقف منح درجة الدكتوراه للباحث محمد إبراهيم أبو عطية، بكلية الدعوة الإسلامية بالأزهر، لوصفه 30 يونير/ حزيران بـ"الانقلاب العسكري"، في 21 سبتمبر/ أيلول من العام اماضي.
بالإضافة إلى إحالة أعضاء لجنة مناقشة رسالة الدكتوراة إلى التحقيق، وهم الدكتور عمر عبد العزيز، رئيس قسم الأديان والمذاهب بالكلية، والدكتور محمود مزروعة، أستاذ العقيدة والفلسفة بكلية أصول الدين بالمنوفية، والدكتور ماجد عبد السلام، الأستاذ بكلية الدعوة الإسلامية، ومراجعة كافة الرسائل العلمية بكلية الدعوة الإسلامية.
التضييق على الأساتذة
كما رصدت مؤسسة حرية الفكر والتعبير حالتين لانتهاك استقلال الجامعة، بإقالة والتضييق على القيادات الجامعية، حيث قام المجلس الأعلى للجامعات في الحالة الأولى بإعفاء الدكتور حامد عطية، نائب رئيس جامعة الزقازيق من منصبه، نظراً لتعرضه لمحاكمة جنائية وبقاؤه قيد الحبس الاحتياطي منذ 11 يونيو/ حزيران 2014، وفقاً لما أعلن عنه رئيس جامعة الزقازيق أشرف الشيحي في 26 يناير الماضي.
وفي الحالة الثانية تقدم رئيس جامعة الإسكندرية أسامة إبراهيم باستقالته في 20 أكتوبر/ تشرين الأول 2014، لاعتراضه على قيام محافظ الإسكندرية ووزير الشباب والرياضة بزيارة كلية التجارة وتفقد الملاعب الرياضية بها، دون إبلاغ رئيس الجامعة، كما تعرض الدكتور أسامة إبراهيم لضغوط سابقة، حيث شنت وسائل الإعلام حملة للمطالبة بإقالته مدعية "انتمائه للإخوان المسلمين"، وتم منعه من السفر من مطار القاهرة لحضور مؤتمر علمي في قطر في 6 ديسمبر/ كانون الأول 2013، إلى أن قدم استقالته من حزب الحرية والعدالة في شكل خطاب رسمي إلى وزير العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية في 5 يناير/ كانون الثاني 2014.
تقييد الحرية الأكاديمية
ورفضت مؤسسة حرية الفكر والتعبير ما وصفته بـ"ممارسة الضغوط والتدخلات على القيادات الجامعية، من قبل السلطة التنفيذية ووسائل الإعلام، إذ يقود ذلك إلى جعل إدارات الجامعات
والمسؤولين عنها، بمثابة أداة لتقييد الحرية الأكاديمية، وهو ما يبدو واضحاً في تدخل إدارات الجامعات في العمل الأكاديمي لأعضاء هيئة التدريس والباحثين، وفرض قيود على حرية البحث والنقاش، مما يؤثر بالسلب على التعليم العالي في الجامعات المصرية، فهناك ضرورة لتوفير المناخ المناسب للبحث والنقاش والتدريب داخل الجامعات، لضمان حفظ المعرفة ونقلها، وتربية مواطنين قادرين على التطور في مناخ حر ومنفتح".
وأشارت المؤسسة إلى أن تلك الحالات، تعد مؤشراً واضحاً على تدهور حالة الحرية الأكاديمية واستقلال الجامعة، وتنذر بتزايد المخاطر التي تعتري عمل أعضاء هيئة التدريس والباحثين بحرية داخل المجتمع الأكاديمي.
وشددت على أهمية أن تتحمل إدارات الجامعات مسؤوليتها في حماية أعضاء هيئة التدريس من الضغط عليهم سياسياً أو ثقافياً أو أيديولوجياً، وضمان حرية الاستفسار والنقاش والتعليم والبحث والنشر لجميع أعضاء هيئة التدريس، وحمايتهم من التأثيرات الخارجية سواء من الدولة أو الإعلام أو المجتمع، ومن التأثيرات الداخلية سواء من مسؤولين جامعيين أو أعضاء بالمجتمع الأكاديمي، بحيث تتحرر الجامعات من التأثر بالمجموعات الخارجية والإعلام والقادة الذين من المحتمل أن يسعوا لقمع وجهات النظر المخالفة لهم، التي يعبر عنها أعضاء هيئة التدريس بشكل أكاديمي.
اقرأ أيضاً:
9 مارس: يوم الجامعة المصرية (ملف)