"يوميات أكرم زعيتر": رصد نصف قرن لآليات القرار السياسي في الأردن

04 يوليو 2019
اليوميات تكشف كواليس تاريخية (العربي الجديد)
+ الخط -

قال رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي، النائب السابق، والمؤرخ الأردني، مصطفى حمارنة، إن الوضع في الأردن كما هو منذ 50 عاماً، موضحاً أنه طوال هذه المدة لم تتغير آلية اتخاذ القرار السياسي، أو طريقة تشكيل الحكومات.

وأضاف الحمارنة، خلال أمسية حوارية يوم الأربعاء في مكتبة الأرشيف في العاصمة الأردنية عمّان، حول كتاب "يوميات أكرم زعيتر: سنوات الأزمة"، الصادر حديثًا عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، إن اليوميات كُتبت بكثير من العاطفة، وتؤرخ لفترة مهمة من الزمن.

ودوّن المناضل العربي الفلسطيني الأردني زعيتر (1909 -1996) في هذا الجزء من يومياته وقائع سنوات صعبة، هي سنوات الأزمة الممتدة ما بين عامي 1967 و1970، حيث كان زعيتر عضوًا في مجلس الأعيان الأردني، ثم وزيرًا للبلاط عقب حرب حزيران (يونيو).

ومن موقعه، يقدم زعيتر صورة دقيقة للأوضاع؛ أردنيًا، وفلسطينيًا وعربيًا، عشية الحرب وخلالها، وفي أعقابها، موردًا الكثير من الوقائع والوثائق التي أضحت معروفة في خطوطها العامة. إلا أن تلك الإطلالة على بعض مراكز صنع القرار العربي تفسّر كثيرًا من الوقائع، وتشرح المسار الذي سلكته الحوادث قُبيل الهزيمة، وفي أثناء وقوعها، والتعامل مع تداعياتها ونتائجها بعد ذلك، مرورًا بتصاعد حركة المقاومة الفلسطينيّة بعد حرب حزيران، واصطدامها مع النظام الأردني في أيلول/سبتمبر 1970.


ولفت الحمارنة إلى أن القارئ لليوميات يستنتج أنه أمام سياسي واسع العلاقات ومع شخصيات سياسية ووطنية ناضلت من أجل الاستقلال من أقصى المغرب العربي إلى أقصى المشرق، وهو أمر ملفت أن يكون هناك سياسي أردني في ذلك الوقت يحظى بكل هذا الاحترام وهذه الشبكة من العلاقات.

وأوضح أن الكتاب يؤرخ لمرحلة مهمة في التاريخ الأردني، خاصة وأن زعيتر كان قريباً جداً من دوائر صنع القرار، وكواليس السياسة الأردنية حين كان عضوًا في مجلس الأعيان، ووزيرًا للبلاط الهاشمي.

ويستخلص الحمارنة من ملاحظات أكرم أن آلية اتخاذ القرار كانت تقوم على حكم فردي مطلق، وأي مشاورات كانت تجري جراء حسن وطيب الحاكم، وليس لأسباب بنيوية في النظام السياسي الأردني.

وعن ذلك يقول "كما أنّ زعيتر ينتقد المقاومة، إلا أنه ينتقد النخب الفاسدة، ويستنكر عليها التفريط بالأردن، وعملها لأجل منافعها. ولذلك سنجد صورة سلبية لبعض القادة من رؤساء حكومات ووزراء ونواب، كما أنه يحمل السلطة جزءاً من تحمل المشكلة، فالملك هو من يعين الحكومة ويقيلها".

وبحسبه "لم يكن هناك نظام عربي سابقاً وحتى اليوم لا يوجد نظام عربي، فالأمن القومي عند العرب هو أمن البقاء في السلطة بالاعتماد على العلاقات مع الدول الغربية".

بدوره، قال الباحث في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية، معين الطاهر، إن الكتاب يؤرخ لمرحلة مهمة من حياة زعيتر، لافتاً إلى أن "اليوميات بنت لحظتها".

وأضاف أن "زعيتر أحب الملك الحسين (العاهل الأردني الراحل)، وانتقد حكوماته، والفساد المستشري فيها، كما أنه كان رافضاً الحلول السلمية، وداعماً للمقاومة بلا تحفظ، وانتقد انحرافات المقاومة دون هوادة".

وقال إنه تناول شخص رئيس الوزراء الأردني الراحل، وصفي التل، بطريقة مختلفة، الأمر الذي يتطلب دارسة هذه الشخصية وعلاقته بالمقاومة.

من جانبه قال سري زعيتر ابن أكرم زعيتر، إن "اليوميات ليست مذكرات بل هي تسجيل لأحداث، أحياناً شارك فيها (والده) وأحياناً سمعها ووثقها، أو معلومات من المصادر المتوفرة في حينه"، مضيفاً أن كتابة اليوميات كانت طقساً يومياً لوالده.

وأوضح أن "اليوميات تشمل إخلاصه في النصيحة، وخاصة للملك الراحل الحسين بن طلال عندما أراد تشكيل حكومة عسكرية، ومحاربته للفساد الذي كان متفشياً قبل 50 عاماً، كما هو الآن".

وأشار سري إلى علاقة والده مع التل قائلاً إن الأخير كان يتقبل النقد رغم منظره المتشدد.
بدورها قالت هبة أمارة، من فريق التحرير، إن يوميات زعيتر من الممكن تقسيمها إلى مستويين الأول مراقب وناقد ومحلل، والمستوى الآخر، مشارك ومشتبك مع الأحداث.

وأضافت "تم التعامل مع اليوميات على عدة مراحل منذ استلامها من عائلة زعيتر مكتوبة على المفكرات اليومية، حتى الوصول إلى طباعتها، والتي تؤرخ لـ 35 عاماً، مشيرة إلى إن زعيتر كان مواظباً على الكتابة، وعند غيابه عن كتابة اليوميات يعيد كتابة ما حدث خلال فترة الغياب".

يُذكر أن يوميات زعيتر تُنشر لأول مرّة بعد مرور نصف قرن على الأحداث التي ترصدها، وقد أعّدها الباحث معين الطاهر بالاشتراك مع نافذ أبو حسنة وهبة أمارة. ويحمل العمل قيمة استثنائية لأسباب عدّة؛ منها أن صاحبه هو أحد العارفين بأدق تفاصيل السياسة الأردنية والفلسطينية آنذاك، كما أنه يحظى باحترام وتقدير من جميع القوى والفاعلين.

دلالات
المساهمون