"يورك".. بناء التعليم العالي وعود تبحث "التطبيق"

09 اغسطس 2015
اتفاقيات كثيرة ووعود أكثر ومدارس مازالت مهدمة (Getty)
+ الخط -

ما بين واقع يعيش حالة من اللاستقرار، واحتياجات لتوفير الخدمات الإنسانية الأساسية في القطاع التعليمي، برز الاجتماعٍ الذي عقد في مدينة يورك، المملكة المتحدة (يوليو/تموز 2015) والذي استضافه كلٌ من مركز بروكنجز الدوحة ومعهد التعليم الدولي وجامعة يورك البريطانية، في خطوة تستهدف تأمين الحماية وإعادة بناء التعليم العالي أثناء وبعد الصراع.

هذا اللقاء، وما تمخض عنه من توقيع ما عرف باتفاقية "يورك"، يراها الدكتور صبري صيدم، وزير التربية والتعليم الفلسطيني، في حديثه مع "العربي الجديد"، جهود "مقدرة إلا أنها تحتاج إلى تطبيق على أرض الواقع، لا سيما أن المجتمعات التي تعاني من حالة الصراع ملت كثرة الاتفاقيات والوعود التي لم تحيد التعليم عن الواقع الذي تعيشه المنطقة".

تزايد العنف
وتأتي أهمية هذا الاجتماع الذي عقد تحت إشراف الرئيس البرتغالي السابق جورج سامبايو إلى تزايد حدة العنف بالبلدان التي تشهد صراعات ونزاعات مما أثر بشكل سلبي على مؤسسات التعليم العالي سواء من الناحية المادية أو من خلال فقدان عدد من الطلاب عن طريق الموت أو النزوح وقلة أعداد الخريجين المؤهلين بشكل مناسب مما يعيق التقدم والازدهار وأجيال قيادية قادمة.

وتأكيدا على أن التعليم حق أساسي من حقوق الإنسان والذي نصت وأكدت عليه الدساتير والمعاهدات الدولية المختلفة (إعلان جومتين 1990 وداكار 2000) رحبت لجنة الاجتماع بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 64/290 بشأن الحق في التعليم في حالات الطوارئ، الذي صدر في عام 2010، باعتباره جزءا لا يتجزأ من المساعدة الإنسانية وكذلك دعمت جهود الائتلاف العالمي لحماية التعليم GCPEA والذي يعمل على توفير المأوى الآمن للعلماء وحمايتهم من الاضطهاد.

فقد وضعت GCPEA المبادئ التوجيهية لحماية المدارس والجامعات من الاستخدام العسكري خلال الصراع المسلح عام 2012 واستكملته الأرجنتين والنرويج ديسمبر/كانون أول 2014. وأكدت اللجنة ترحيبها بقرار مجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة يوليو/تموز 2015، الذي حث جميع الدول على تعزيز حماية المدارس والجامعات ووضع القوانين التي تجرم الهجوم على المدارس والجامعات وقت النزاعات وتقديم المساعدات للضحايا دون تمييز.

المنطقة العربية
يأتي هذا في ظل الأوضاع المتردية في المنطقة العربية، فقد تسببت النزاعات في تدمير عدد كبير من الجامعات واستخدامها كملجأ للمسلحين أو كمخزن للأسلحة هذا فضلا عن الضرر الذي يتعرض له الأكاديميون والأساتذة والطلاب والأمثلة على ذلك كثيرة، ففي العراق قتل أكثر من 500 شخصية علمية وتهجير نحو 17 ألف أكاديمي.

كما أدى الهجوم المسلح على جامعة دمشق مارس/آذار 2013 إلى وفاة 15 طالبا وإصابة العشرات بجروح، ولم تكن غزة أسعد حالا فقد تسبب العدوان الإسرائيلي عليها في العام 2014 إلى استشهاد ما يقارب الـ 421 طالب وجرح 1128 آخرين وإلحاق الضرر بـ6 مؤسسات تعليم عالي منها (الجامعة الإسلامية، والكلية الجامعية للعلوم التطبيقية، وكلية مجتمع جامعة الأقصى، وكلية فلسطين التقنية، وكلية الجامعية للعلوم والتكنولوجيا).

اقرأ أيضا:الأونروا تلوح بغلق مدارسها.. والطلبة لهم الله

من هنا كان تأكيد اللجنة على إلتزامها بتعزيز وتقوية الإرادة الجماعية لحماية وإعادة بناء التعليم العالي أثناء وبعد الصراع واتخاذ المزيد من الإجراءات لحماية هذا القطاع بكل جوانبه - أساتذة وطلاب وبنية تحتية - أثناء نشوب الصراع وفي أعقاب انتهائه. من خلال المشاركة والعمل الجماعي وتحول التحديات إلى فرص لإعادة البناء.

وجددت اللجنة دعوتها للمؤسسات العالمية والمنظمات الدولية العاملة في مجال التعليم العالي لتحديد الخطوات العملية لحماية وضمان أمان الباحثين والأكاديميين المتضررين من النزاع والحفاظ على جودة التعليم العالي  ودمج  الطلاب وأعضاء هيئة التدريس من اللاجئين والمشردين والتخفيف من آثار النزاع وضمان أن يتمكن الطلاب من العودة إلى الجامعة في أسرع وقت باعتبار أن هذا جزءا لا يتجزأ من الاستجابة الإنسانية والتفكير في إيجاد أفضل السبل للرد على التحديات التي يوجهها التعليم العالي في البلدان المتضررة من الصراعات وتسخير القطاع العالمي للمساهمة في عملية الانتعاش والتقدم.

التمويل المبتكر
خلصت اللجنة أيضا إلى أنه لابد من تفعيل دور الجهات المانحة الدولية ومؤسسات التنمية لزيادة التمويل لقطاع  التعليم العالي من خلال استكشاف نماذج التمويل المبتكرة والتعاونية. 


وهذا هو ما استجاب له ونفذه مكتب اليونسكو بالأردن تحت رعاية وزير التعليم العالي والبحث العلمي من خلال مبادرتها الممولة من الاتحاد الأوروبي والتي تهدف إلى توفير المتطلبات والاحتياجات التعليمية للاجئين السوريين في الأردن لمرحلة التعليم ما بعد الثانوي والعالي من خلال موقع الكتروني متخصص (www.unesco.org/jami3ti) يمكن الشباب السوري، في الفئة العمرية بين 16- 30سنة، بإنشاء ملف خاص بهم باحتياجاتهم التعليمية وبالتالي الوصول إلى هدف مساعدة الشباب السوري لإيجاد الفرص التعليمية المحتملة بسهولة أكبر ، وحتى الآن بلغ عدد الذين سجلوا احتياجاتهم أكثر من 2069  لاجئ سوري.

ويرى الدكتور صبري صيدم، وزير التربية والتعليم الفلسطيني، أن مثل هذه التحركات من مؤسسات تتابع الشأن التعليمي في الأماكن التي تعيش حالة من النزاع جهود مرحب بها ومقدرة، وهو خطوات من شأنها أن تهون على من يعانون جراء هذه النزاعات.

إلا أن، صيدم في حديثه لـ"العربي الجديد"، يوضح أن الناس ملت كثيراً من الاتفاقيات وكثرة الوعود، ومعيار تقيمها لأهمية مثل هذه التحركات يكون من خلال قياسية خروج هذه التحركات إلى حيز التطبيق، والمردود الذي يمكن أن ينتج عنها وخروجها من إطار كونها حلول مطروحة إلى نتائج محسوسة.

استراتيجية التفعيل
وحول الاستراتيجية التي يمكن من خلالها تفعيل مثل هذه الجهود، يرى الوزير صيدم، أن الجهات ذات الصلة بهذا الموضوع تحديدا أطراف النزاع هي من يجب أن تحسم أمرها في توفير أبسط مقومات حقوق الإنسان، والتعليم حق للإنسان بغض النظر عن طبيعة الواقع المعاش سواء الفقر أو النزاع المسلح أو الكوارث.

ويؤكد صيدم على أن "التعليم حق غير قابل للنزاع ولا يخضع لأي تجاذبات سياسية، ويجب أن يوفر له الحماية بمفهوم مجتمعي واخراجه من إطار الصراعات كون التجهيل وغياب الناس عن التعليم يعني اذكاء نار الحرب وتوفير الوقود لاشعالها".

وحول أبرز العقبات التي قد تعيق الجهود المبذولة لتفعيل الاتفاقيات المعنية بتطوير واقع التعليم، يرى صيدم، أن المطلوب وجود حالة من "التكاملية بين عدة عناصر يتمثل أولها في الأطراف المتصارعة نفسها، وإصرارها على إعاقة ممنهجة ومبرمجة لإفشال الجهود المبذولة والاتفاقيات التي تسعى لتطويرواقع التعليم".

أما العنصر الثاني، الذي قد يساهم في عرقلة الجهود، فيتمثل في "صمت المجتمع على التجهيل، وهذا يعني تساوق مع المتصارعين وقبول في سطوتهم في حجب هذا الحق الإنساني الذي تضمنه الشرائع والقوانين".

أم العنصر الثالث، فيتمثل وفقا لصيدم بـ" اخضاع المسيرة التعليمة لاعتبارات سياسية وهو ما يشكل دائرة جديدة من التشتيت واصرار مسبق للمتصارعين سياسيا على حجب التعليم، وسيعني زيادة حجم الفقر ورفع معدلات البطالة وتأخير قدرات أي دولة وقدرتها على الخروج من هذه الدائرة".

ولإيجاد استراتيجية يمكن من خلالها، المساعدة في تحقيق أهداف الجهود المبذولة لتطوير، يطالب الوزير صيدم، بضرورة إيجاد "حالة من الإصرار من قبل الجهات المعنية في هذه المهمة، إلى جانب حالة من الوئام الاجتماعي، لانتزاع القرار من بين جهات الصراع، إلى جانب خلق حالة من الوعي عبر وسائل الإعلام والتركيز على عجلة الاقتصاد والتنمية والاعمار".
اقرأ أيضا: ويحارب الأطفال للالتحاق بمدرسة

دلالات
المساهمون