9 مارس/ آذار 2011... كان الشعب المصري على موعد مع الصدام الأول مع المجلس العسكري، أو "العسكر"، بالمعنى الدارج في الشارع المصري، بعد تعذيب مجموعة من الشبان والفتيات في المتحف المصري، الموجود في نطاق ميدان التحرير، وإجراء ضباط الجيش كشوف عذرية على الفتيات المعتصمات.
وكانت مجموعة من الشبان والفتيات واصلوا الاعتصام في ميدان التحرير، عقب خلع الرئيس الأسبق حسني مبارك وتولّي المجلس العسكري مقاليد البلاد.
هذه الأحداث التي عرفت في ما بعد بـ"قضية كشف العذرية"، كانت بمثابة المسمار الأول في نعش حكم المجلس العسكري في مصر، رغم عدم تصديق الفئة العظمى من الشعب لروايات التعذيب وكشف العذرية حينها. ففي الوقت الذي انتشرت فيه هذه الروايات عما دار داخل المتحف المصري، حتى خرجت المسيرات والهتافات تردد: "الجيش والشعب إيد واحدة"، لرفض مجرد سماع هذه القصص، وأيّد هذا الهتاف الكثير من الإعلاميين.
رامي عصام
"مطرب الثورة"، كما لقّبه شباب التحرير، لأنه غنى الهتافات على ألحان حماسية أشعلت حماسة الثوار حينها، مثل أغنية "يسقط حكم العسكر"، و"الجحش قال للحمار".
تعرض عصام للتعذيب في هذا اليوم، حيث يقول: "كنت موجوداً في ميدان التحرير مع بقية المعتصمين والمتظاهرين يوم الأربعاء 9 مارس. وفي حوالى الساعة 5 ونصف فوجئنا بهجوم قوات من الجيش ومعهم مجموعة كبيرة من المدنيين المسلحين بالشوم والطوب على الاعتصام. قاموا سوياً بتكسير الخيم وتقطيع اللافتات وضرب كل مَن بداخل "الصينية" بالعصي وبدأوا باعتقال المتظاهرين".
وأضاف: "تم سحبي على يد مجموعة من جنود الجيش ناحية المتحف وتسليمي إلى الضباط الذين قاموا بتقييد يدي ورجلي وبدأوا بركلي في كل جسمي ووجهي ثم ضربي بالعصي و"السيوخ" والمواسير الحديدية والأسلاك و"الخراطيم" على ظهري ورجلي، ثم أتوا بالصاعق الكهربي الذي يستخدم في المظاهرات وقاموا بصعقي في أماكن مختلفة من جسمي. في البداية بجهاز واحد ثم باستخدام أكثر من جهاز في الوقت نفسه. كان الضباط يسبونني ويقفزون على ظهري وعلى وجهي بالأحذية، ثم قاموا بقص شعري ـ الذي كان طويلاً ـ وأخيراً قاموا بوضع وجهي في التراب ثم ردم جسمي بالتراب".
هذه الشهادة التي لم تنشرها حينها أي وسيلة إعلامية، سوى صفحة "لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين"، لاقت صدى واسعاً في صفوف الشباب الغاضب، خاصة بعد نشر صور لعصام وظهره قد شوهته آثار التعذيب.
سميرة إبراهيم
كانت إبراهيم مشاركة في اعتصام ميدان التحرير الذي تم فضه بالقوة من قبل قوات الجيش المصري، وتعرّضت حينها مع عدد من النساء للضرب والصعق بالكهرباء، وكشف العذرية ـ المخالف لحقوق الإنسان والكرامة ـ والتفتيش العاري، ما أثار ضجة كبيرة في أوساط الشارع المصري، وتم تسريب تسجيلات صوتية تثبت ما تعرضت له النساء من قبل الجيش المصري.
رفعت الناشطة سميرة دعوى انتهاك عرض ضد المجلس العسكري في القضية الشهيرة بـ"كشف العذرية"، وأوضحت أنها نجحت في إقناع عدد من الفتيات اللاتي قالت إنهن تعرّضن لكشوف العذرية بالتقدم للمحكمة والشهادة، إلا أنها رفضت الإفصاح عن هويتهن أو عددهن خوفاً من تعرضهن للتهديد. وانضمّت رشا عبد الرحمن، الشاهدة الجديدة في قضية كشف العذرية، إلى الدعوى التي أقامتها سميرة، وأدلت بشهادتها أمام المحكمة العسكرية، مؤكدة حدوث هتك العرض لها ولزميلاتها.
خسرت سميرة القضية، ولكن مجلس الدولة حكم بمنع تكرار هذا الكشف على الفتيات مرة أخرى.
أما القضية الأخرى، التي كانت سميرة قد رفعتها إلى المحكمة العسكرية ضد الطبيب المجند أحمد عادل الموجي، الذي اتهمته بالقيام بفحص العذرية، فقد خسرتها، وحصل الطبيب على حكم بالبراءة، وسادت حالة من الغضب بين المحتشدين خارج أسوار المحكمة العسكرية عقب علمهم بحكم البراءة.
إلا أن هذه القضية، وهذه الأحداث، كانت الشرارة الأولى لهتاف: "يسقط حكم العسكر" في الشارع المصري، الذي زاد مرددوه مع تزايد الأحداث والانتهاكات التي تعرّض لها الثوار بعد ذلك في أحداث ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء، حتى سقط حكم العسكر بانتخاب أول رئيس مدني لمصر، وهو الذي أطاح به الجيش بعد عام واحد من ولايته، ليعود "حكم العسكر" من جديد.