"وول ستريت" تدق جرس الإنذار: إليزابيث وارن خطر علينا

07 نوفمبر 2019
صعودٌ مستمر لوارن في استطلاعات الرأي (ميلينا مارا/ Getty)
+ الخط -
لا يزال الصراع الأيديولوجي داخل الحزب الديمقراطي الأميركي مفتوحاً على كل الاحتمالات، بين المؤسسة التقليدية التي تريد الإبقاء على مقومات نظام الاقتصاد الليبرالي الحالي بدعمٍ من "وول ستريت"، والقاعدة اليسارية التي تريد تغيير قواعد اللعبة، وإعادة توزيع الثروات في المجتمع الأميركي. مع صعود المرشحة الرئاسية السيناتور إليزابيث وارن المستمر في استطلاعات الرأي، بدأت "وول ستريت" تأخذ بجدية احتمال فوزها بترشيح الحزب الديمقراطي، وبالتالي أطلقت معركة إسقاطها في الانتخابات التمهيدية، تفادياً لسيناريو رئيسة مقبلة للولايات المتحدة، تنتظر ساعة الصفر لتفرض على هذه الشركات مشاركة جزء من أرباحها المالية.

غالباً ما تختار "وول ستريت" دعم أفضل مرشح أو مرشحة من الحزبين الديمقراطي والجمهوري لانتخابات الرئاسة لضمان مصالحها عند الطرفين، لكن هذه من المرات القليلة التي ترتاب من مرشحة، ليس فقط لكونها يسارية، بل لأنها تملك فرصة جدية في الانتخابات التمهيدية، على عكس الشكوك التي تحيط بقدرة السيناتور بيرني ساندرز على الفوز. هذه الريبة من وارن تأتي نتيجة تاريخها في الضغط على الرئيس السابق باراك أوباما لعدم تدخل الحكومة الفدرالية لإنقاذ الشركات الأميركية التي تسببت بالركود الاقتصادي في عام 2008، كما لتأييدها وضع ضوابط تشريعية على أعمالها.


ويعزز أداء إليزابيث وارن الانتخابي دوافع حذر "وول ستريت" منها. في شهر يوليو/ تموز الماضي بثت السيناتور عن ولاية ماساتشوستس فيديو دعائياً يحمل مقاطع من فيلم "امرأة جميلة"، حيث يشرح الممثل الأميركي ريتشارد غير كيفية عمل هذه الشركات المالية، قبل أن تدعو وارن في نهاية الشريط إلى "وقف النهب في وول ستريت". تخشى هذه الشركات المالية أن تفرض وارن شروط الحكومة الفدرالية، عبر دعوتها لتقليص الفجوة في الثروات في الولايات المتحدة، ومعالجة الفساد والفائض في الأرباح في ما تسميه "جشع" الشركات الأميركية.

كذلك أطلقت المرشحة الديمقراطية أخيراً خطتها لتمويل "الرعاية الصحية للجميع"، وتشمل ضرائب جديدة على الأثرياء وتعاملاتهم المالية، مثل تداولات الأسهم وضرائب أرباح الاستثمار السنوية. وقالت في ولاية أيوا بعيد إعلان هذه الخطة: "لقد خطف الأغنياء والأقوياء ديمقراطيتنا".

وعلى الرغم من أن رد الشركات المالية على وارن ليس منظماً، لكن هناك اتجاهاً لرفع سقف الانتقادات ضدها، وتمويل منافسيها في الانتخابات التمهيدية، وصياغة خطاب يناقض سردها عن "وول ستريت". وقد بدأ بعض المتمولين الديمقراطيين الكبار محاولة قطع الطريق على وارن عبر الالتفاف بشكل متزايد حول نائب الرئيس السابق ومرشح الرئاسة جو بايدن، على الرغم من أدائه المتعثر، فيما كشفت محطة "سي أن بي سي" أن شركات في "وول ستريت" أبلغت السيناتور عن نيويورك تشاك شومر عزمها تجميد تمويل المرشحين الديمقراطيين في انتخابات مجلس الشيوخ، بسبب هذه الهواجس من وارن. هذا يعني أن هناك محاولة للضغط على القيادة الديمقراطية لضبط خطاب المرشحة الرئاسية، أو محاولة الدفع باتجاه عدم التصويت لها في الانتخابات التمهيدية. كذلك تحاول شركات "وول ستريت" من خلال هذه الخطوة ترجيح الأكثرية الجمهورية في مجلس الشيوخ العام المقبل، وبذلك يكون هناك تعطيل تشريعي لقرارات وارن في حال فوزها.

بطبيعة الحال، يحاول المحافظون الاستفادة من ريبة "وول ستريت" عبر وصف وارن بأنها "اشتراكية"، لتوسيع هذه العلاقات مع الشركات المالية التي تميل إلى الجمهوريين، لا سيما في ظلّ رئاسة دونالد ترامب الذي خفف من القيود والضوابط والضرائب على هذه الشركات منذ وصوله إلى البيت الأبيض. يرى المحافظون بشكل عام أن الشركات هي في موقع أفضل من الحكومة الفدرالية للتعامل مع الفائض في الأرباح لإعادة استثماره في تحسين أداء الشركة أو زيادة معدلات التوظيف. ساندرز اعتبر أخيراً بلهجة انتقادية أن حليفته وارن تعتقد بـ"الرأسمالية"، وهي نفسها قالت إنها تؤمن بالأسواق المالية شرط أن تتضمن قوانين وضوابط ومحاسبة. وعلى عكس ساندرز الذي لا يعتقد بضرورة وجود الأثرياء، لا تمانع وارن في ذلك، طالما أن هؤلاء يدفعون الضرائب على أرباحهم.

وارن ليس لديها حالياً تواصل مع أي من شركات "وول ستريت" لتحصل على تبرعات لحملتها أو لمحاولة فتح نقاش حول هذه القضايا، لا سيما أن هذه الشركات قد تكون قادرة على تعطيل عمل سيناتور ماساتشوستس إذا ما وصلت الى الرئاسة. الملياردير ليون كوبرمان كتب رسالة مفتوحة ينتقد فيها خطة وارن للرعاية الصحية، كما انتقدت شركة "غودمان ساكس" الخطة ذاتها، معتبرة أنها تقلص أرباح الشركات بنسبة 11 في المائة. كذلك وصل الأمر مع بعض مديري الأموال في "وول ستريت"، مثل بول تودر جونز وستيف كوهين، إلى التحذير من انهيار في الأسواق المالية يوم إعلان فوز وارن إذا ما تمكنت من كسب الانتخابات التمهيدية، ولاحقاً هزيمة ترامب.

يبدو أن الانطباع بين الشركات المالية هو أن وارن تشيطن "وول ستريت" ولا تحترمها، وهناك تساؤلات في الحزب الديمقراطي بشكل عام ما إذا كانت المرشحة الرئاسية تحاكي في هذه المرحلة القاعدة اليسارية، فيما قد تذهب باتجاه أكثر انفتاحاً على الشركات المالية خلال الانتخابات العامة. لكن لا يبدو أن "وول ستريت" مستعدة للانتظار والمغامرة.



 

المساهمون