لم يحظَ الممثل أحمد السقا، في أي وقت سابق، بنجاح تلفزيوني يقارب نجوميته السينمائية، ورغم تقديمه ثلاثة مسلسلات في السنوات الأخيرة؛ هي "خطوط حمراء" (2012) و"ذهاب وعودة" (2015) و"الحصان الأسود" (2017)، إلا أنها مرّت بشكل عابر ومن دون اهتمام. الوضع مختلف تماماً مع مسلسله الجديد "ولد الغلابة"، الذي حظي بردود أفعال متفاوتة؛ البعض يراه مسلسلاً جيداً وأحد أفضل إنتاجات الموسم الرمضاني المتواضع، والبعض الآخر يرونه مجرّد نقل وتقليد للمسلسل الأميركي الشهير Breaking Bad، فانهالوا عليه بوابِل من السخرية، ولكل من الرأيين أسبابه في محصله نهائية تجعله عملاً ناجحاً رغم كل شيء.
تدور أحداث المسلسل في الصعيد، عن مدرِّس التاريخ الشريف عيسى (السقا)، والذي يعيش كوارث متتالية بين سرقة التاكسي الذي يعمل عليه ليلاً وبين مرض والدته واحتياجها إلى عملية جراحية مُكلفة، ما يدفعه إلى العمل في تجارة المخدرات مع ضاحي (محمد ممدوح)، الطاغية الذي يكره عيسى لأنه رفض زواجه من شقيقته صفية (إنجي المقدم) قبل سنوات. ومع تصاعد الصراع على أكثر من مستوى، نتابع رحلة تحوّل عيسى من شخص ذي مبادئ إلى مجرم خطير يعمل في الاتجار بالمخدرات.
يدمج المسلسل، وبدرجة من الوعي، بين حبكتين يحبهما الجمهور ويتفاعل معهما دائماً؛ الأولى أن الأحداث تدور في الصعيد، تلك المناطق الجنوبية البعيدة عن العاصمة، وبالتالي تحتمل بالنسبة لصناع الدراما التلفزيونية في مصر (ومنذ مطلع التسعينيات تحديداً) إكسابها طابعاً أسطورياً متعلقاً بالجريمة المنظمة في السلاح أو المخدرات، بشكل شبيه مثلاً بأفلام وعصابات المافيا الأجنبية، والأمر ينجح في "ولد الغلابة" مرة أخرى، بفضل أداء مميز للغاية من محمد ممدوح، وبعض التفاصيل الذكية في الكتابة والإخراج رغم تقليدية الأجواء عموماً.
العنصر الثاني هو حبكة الانتقام للبطل الذي يبدأ من نقطة مسالمة وشريفة وبمساحة من الاستكانة والضعف، ويتعرض لكثير من الظلم والمآسي والمواقف الصعبة، قبل أن يتحول إلى النقيض وينتقم ممن ظلموه. عيسى في المسلسل هو "كونت دي مونت كريستو" آخر يتعاطف الجمهور معه، وحتى مع المبالغات المعتادة في الأداء من أحمد السقا للدور؛ فالشخصية تمتلك تفاصيل وتفاعلاً حقيقياً مع ما حولها، مثل علاقته المتداخلة بعائلته، بداية من الأم (صفاء الطوخي في أداء جيد) والشقيقة الكبرى صفية التي تصل بشكل منطقي ومتتابع على مدار الحلقات من محبة وتآلف إلى عداءٍ تام، ثم إخوته الصغار ومسؤوليته نحوهم.
لذلك، وخلال النصف الأول من الأحداث، كان المسلسل مقبولاً، وفي ظل مشاكل التكلف والإيقاع في باقي الأعمال هذا العام فـ"ولد الغلابة" هو الأفضل حالاً، قبل أن يبدأ هو الآخر في التراجع بشكل عنيف، تحديداً مع بداية تحوّل المسلسل إلى نسخة رديئة من Breaking Bad، ولم يعد المؤلف أيمن سلامة يكتفي فقط بالتشابهات العامة؛ مثل كون البطل مدرّساً ويتحول لـ"طبخ" المخدرات والاتجار فيها، أو حتى تفاصيل محددة مثل شكل نظارة كلا الشخصيتين، ولكن يتجاوز ذلك إلى محاكاة واقتباسٍ مباشر لبعض الجمل والمواقف والصراعات والشخصيات، مثل المحامي جمال لبة التي جسدها أحمد زاهر بشكل مطابق لشخصية "سول غودمان" في "بريكينغ باد"، أو تهديد عيسى لأفراد من عائلته بنفس الجمل الحوارية، أو وقوفه مع شريكته فرح أمام تلال من الأموال في تطابق - باللقطة - مع مشهد في الأصل الأجنبي.
اقــرأ أيضاً
تدور أحداث المسلسل في الصعيد، عن مدرِّس التاريخ الشريف عيسى (السقا)، والذي يعيش كوارث متتالية بين سرقة التاكسي الذي يعمل عليه ليلاً وبين مرض والدته واحتياجها إلى عملية جراحية مُكلفة، ما يدفعه إلى العمل في تجارة المخدرات مع ضاحي (محمد ممدوح)، الطاغية الذي يكره عيسى لأنه رفض زواجه من شقيقته صفية (إنجي المقدم) قبل سنوات. ومع تصاعد الصراع على أكثر من مستوى، نتابع رحلة تحوّل عيسى من شخص ذي مبادئ إلى مجرم خطير يعمل في الاتجار بالمخدرات.
يدمج المسلسل، وبدرجة من الوعي، بين حبكتين يحبهما الجمهور ويتفاعل معهما دائماً؛ الأولى أن الأحداث تدور في الصعيد، تلك المناطق الجنوبية البعيدة عن العاصمة، وبالتالي تحتمل بالنسبة لصناع الدراما التلفزيونية في مصر (ومنذ مطلع التسعينيات تحديداً) إكسابها طابعاً أسطورياً متعلقاً بالجريمة المنظمة في السلاح أو المخدرات، بشكل شبيه مثلاً بأفلام وعصابات المافيا الأجنبية، والأمر ينجح في "ولد الغلابة" مرة أخرى، بفضل أداء مميز للغاية من محمد ممدوح، وبعض التفاصيل الذكية في الكتابة والإخراج رغم تقليدية الأجواء عموماً.
العنصر الثاني هو حبكة الانتقام للبطل الذي يبدأ من نقطة مسالمة وشريفة وبمساحة من الاستكانة والضعف، ويتعرض لكثير من الظلم والمآسي والمواقف الصعبة، قبل أن يتحول إلى النقيض وينتقم ممن ظلموه. عيسى في المسلسل هو "كونت دي مونت كريستو" آخر يتعاطف الجمهور معه، وحتى مع المبالغات المعتادة في الأداء من أحمد السقا للدور؛ فالشخصية تمتلك تفاصيل وتفاعلاً حقيقياً مع ما حولها، مثل علاقته المتداخلة بعائلته، بداية من الأم (صفاء الطوخي في أداء جيد) والشقيقة الكبرى صفية التي تصل بشكل منطقي ومتتابع على مدار الحلقات من محبة وتآلف إلى عداءٍ تام، ثم إخوته الصغار ومسؤوليته نحوهم.
لذلك، وخلال النصف الأول من الأحداث، كان المسلسل مقبولاً، وفي ظل مشاكل التكلف والإيقاع في باقي الأعمال هذا العام فـ"ولد الغلابة" هو الأفضل حالاً، قبل أن يبدأ هو الآخر في التراجع بشكل عنيف، تحديداً مع بداية تحوّل المسلسل إلى نسخة رديئة من Breaking Bad، ولم يعد المؤلف أيمن سلامة يكتفي فقط بالتشابهات العامة؛ مثل كون البطل مدرّساً ويتحول لـ"طبخ" المخدرات والاتجار فيها، أو حتى تفاصيل محددة مثل شكل نظارة كلا الشخصيتين، ولكن يتجاوز ذلك إلى محاكاة واقتباسٍ مباشر لبعض الجمل والمواقف والصراعات والشخصيات، مثل المحامي جمال لبة التي جسدها أحمد زاهر بشكل مطابق لشخصية "سول غودمان" في "بريكينغ باد"، أو تهديد عيسى لأفراد من عائلته بنفس الجمل الحوارية، أو وقوفه مع شريكته فرح أمام تلال من الأموال في تطابق - باللقطة - مع مشهد في الأصل الأجنبي.
مع هذا التحول، لم يعد المسلسل دراما صعيدية بحبكة انتقام وبطل تراجيدي ومساحة تأثر بعملٍ ناجح آخر، بل معالجة هزلية وكسولة تحاول مشابهة الأصل من دون تجديد أو ابتكار.