"وباء المجاعة" في اليمن

02 نوفمبر 2016
أعلن محافظ الحديدة أنّها باتت منكوبة (محمد حويس/فرانس برس)
+ الخط -
المئات، وربّما أكثر، باتوا يعانون من المجاعة في مناطق يمنيّة جديدة، وقد أصبح الجوع ظاهرة في غالبية المناطق (غرب البلاد)، بعدما كان محصوراً في مديرية التحيتا قبل خمسة أسابيع، وقد بلغت نسبة الذين يعانون من المجاعة 70 شخصاً. ويبيّن مسح ميداني في مديريتي عبس وحيران في محافظة حجة أن نحو 15 في المائة من الأطفال هناك يعانون من سوء التغذية الحاد، في وقت يعاني نصف عدد البالغين من انعدام الأمن الغذائي، علماً أن هذه النسب جديدة وغير مسبوقة بالمقارنة مع مناطق أخرى في البلاد.

المسح أكد أنّ معظم الأسر عاجزة عن الحصول على الغذاء في الوقت المناسب نتيجة غلاء الأسعار أو عدم توفّر المال لديهم. وأدّى توقف معظم الأنشطة الإغاثية في المديريتين، منذ أشهر، إلى قيام متطوعين متخصصين بتقييم سوء التغذية في 65 قرية في المديريتين، من خلال اختيار عيّنة عشوائية شملت 14 ألفاً و248 طفلاً. ولاحظت أنّ 750 طفلاً يعانون من سوء التغذية الحاد، فيما يعاني ألف و355 طفلاً من سوء التغذية المتوسّط، وقد يزداد الوضع خطورة. وأشارت الدراسة إلى أنّ نسبة الذين يعانون من سوء التغذية من إجمالي سكان القرى يقدّر بـ 55 في المائة، و45 في المائة من إجمالي عدد النازحين المقيمين فيها.

جاء ذلك في وقت أعلن محافظ الحديدة الساحلية المجاورة عبدالله أبو الغيث أنّ المحافظة باتت منكوبة بسبب انعدام مستوى الأمن الغذائي، وانتشار المجاعة في بعض مديرياتها. وأعلن المدير الإقليمي لبرنامج الغذاء العالمي، مهند هادي، أن "الجوع في اليمن تحوّل إلى وباء"، لافتاً إلى أنّ الطبقة المتوسّطة في البلاد باتت ضمن الفئة غير القادرة على وضع الطعام على موائدها. أضاف خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي حول اليمن، أن بعض اليمنيين باتوا غير قادرين على شراء الطعام لأطفالهم لأنهم لا يحصلون على رواتبهم.



إلّا أنّ مراقبين يؤكّدون لـ "العربي الجديد" أنّ الوضع في مديريّتي عبس وحيران يعدّ أشد خطورة في ظلّ تصنيف المنظّمات الإنسانية لهما كمنطقتين عسكريتين، وصعوبة التحرك فيهما. حالياً، تضم المديريتان أكثر من 41 ألف أسرة (نحو 288 ألف شخص)، وتعدّان أقرب المديريات المأهولة من مناطق الحرب، التي باتت مناطقها خالية تماماً من السكان. وتستضيفان نازحين من محافظة صعدة ومديريات أخرى، وقد فرّوا من ديارهم بسبب استمرار الحرب في مناطقهم.

تعدّ أسرة صالح مثنى إحدى الأسر النازحة، والتي يعاني أفرادها بسبب الجوع. يقول إنّ طفله الأصغر (ثلاثة أعوام) توفي قبل شهرين، إثر فقدان الأسرة كل متطلبات البقاء. ويخشى أن يلقى الجنين الذي ما زال في بطن أمه المصير نفسه بسبب ما تعانيه من سوء تغذية حاد، نتيجة الفحوصات التي أجريت لها. يضيف مثنى: "كنّا قد نزحنا من الحرب السادسة منذ عام 2010، وهذه هي ثالث قرية نستقر فيها بسبب وصول المساعدات الإغاثية إليها. لكنّها انقطعت منذ أربعة أشهر ليتضرّر أبنائي الثلاثة الآخرون".

إلى ذلك، يعرب أحد سكّان المنطقة إبراهيم عبدالسلام عن استغرابه بسبب توقّف المنظمات الإغاثيّة عن تقديم مساعداتها للمتضرّرين والنازحين في معظم المناطق في تهامة، على الرغم من صعوبة الوضع. يضيف عبدالسلام: "تخلت عنا معظم المنظمات التي اعتادت تقييم الاحتياجات وتقديم الغذاء، وذلك قبل ثلاثة أشهر". ويلفت إلى أن برنامج الأغذية العالمي ترك الشاحنات المحملة بالمساعدات للمقاتلين الذين يتقاسمونها مع بعضهم بعضاً ومع أقاربهم، أو يبيعونها في الأسواق.

من جهته، يؤكّد موظّف في إحدى المنظمات الدولية في المنطقة فضّل عدم الكشف عن اسمه أن الأرقام الواردة في المسح تعكس حجم الكارثة التي تفاقمت بشكل سريع بالمقارنة مع الأشهر الماضية، نظراً لخطورة الوضع الأمني على المنظمات الإغاثية، وانعدام مواردها الطبيعية، وتوقف الخدمات العامة فيها. يضيف أن النشاطات الإغاثيّة في مديريتي عبس وحيران (تابعتان لمحافظة حجة) انخفضت كثيراً. وقد بدأ تسريح معظم الموظفين هناك أخيراً، بعدما أصبح الوضع الأمني أكثر خطورة في المحافظة، عدا عن عرقلة عمل الموظفين وحركتهم، واحتجاز شاحنات المساعدات، في حال رفضت المنظمات الرضوخ لمطالب المقاتلين وتخصيص حصص من المساعدات لهم، أو تولي عناصرهم أمر توزيع المساعدات، بحسب كشوفاتهم التي كانوا أعدوها لذلك الغرض.

وكانت منظّمات إغاثيّة تابعة للأمم المتحدة قد كشفت، نهاية الأسبوع الماضي، أن نحو 1.5 مليون طفل في اليمن يعانون من سوء التغذية، وأن نصف السكان يعانون من انعدام الغذاء. وذكرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) أن الحرب المستمرة منذ 18 شهراً تركت 370 ألف طفل معرضين لخطر سوء تغذية حاد، الأمر الذي يحتاج إلى حلٍّ عاجل لحماية الأطفال من الموت. وذكر برنامج الأغذية العالمي أن نحو نصف الأطفال في اليمن قد توقف نموهم، ما يعني أنّهم قد يكونون أقصر قامة بالمقارنة مع الأطفال الذين هم في مثل أعمارهم، وهذا دليل على سوء التغذية المزمن في البلاد.