"هيئة الحقيقة والكرامة" في تونس وألغام العدالة الانتقالية

26 فبراير 2014
هيئة العدالة الانتقالية: صلاحيات واسعة وامتيازات جمة
+ الخط -
 
وصل الجدل الذي أثارته مسألة العدالة الانتقالية في تونس، حتى قبل تشكيل اللجنة المشرفة عليها، إلى حد نشر قضايا لدى المحاكم وطعن في دستورية القانون المنظم لها، فضلاً عن احتجاجات من شخصيات حقوقية جرى استبعادها من "لجنة الحقيقة والكرامة"، الأمر الذي دعاها إلى اللجوء للقضاء.

المؤشرات السابقة تهدد بمرحلة جديدة من الانقسام الذي يتجاوز السياسة ويهدد، حسب مراقبين، السلم الاجتماعي برمّته. ويقول متابعون إنه ليس من باب الصدفة أن يصادق "المجلس الوطني التأسيسي"، ليلة التوافق على شخصية المهدي جمعة لرئاسة الحكومة، على قانون العدالة الانتقالية والحيثيات المتعلقة بهيئة "الحقيقة والكرامة"، بوصفها الساهرة والمؤتمنة على تنفيذ نتائج العدالة الانتقالية عبر مراحلها الثلاث، وهي كشف الحقيقة والمحاسبة وجبر الضرر، وصولاً إلى المصالحة الوطنية.

 

تنبّه الجميع إلى هذا التزامن، رغم الانشغال بتوافقات اللحظات الأخيرة حول رئيس الحكومة الجديد، ما طرح تساؤلات عن مدى حرص أعضاء المجلس على السهر حتى منتصف الليل، ليصادقوا على تشكيل هيئة تبدو مثيرة للجدل في الشارع السياسي والشعبي التونسي.

جدلٌ يتزايد بالنظر إلى الصلاحيات غير المسبوقة للهيئة، وإلى المدى الزمني الذي ستطاوله تحقيقاتها، انطلاقاً من سنة 1955 إلى مرحلة ما بعد الثورة. وتمتلك الهيئة حق التقصي والاستجلاء من تاريخ بناء الدولة حتى اليوم، ولها حق تجاوز كل الأحكام الصادرة في مختلف القضايا. وتتيح صلاحيات الهيئة، قيامها بالبحث والتقصي في كل الفضاءات، بما في ذلك منازل المعنيين بالعدالة الانتقالية، إذ لها الحق في تجاوز كل العقبات بما في ذلك قوانين الدولة وحرمات المنازل. 

"الحقيقة والكرامة"، أغرت عدداً كبيراً من التونسيين ليقدموا ترشيحاتهم إليها، استجلاباً للحظوة، عبر التمتع بحصانتها وامتيازاتها المالية الجمة.

وبلغ عدد الترشيحات ما يناهز 400 مترشّح، سينظر المجلس عبر لجانه في اختيار 15 منها موزعين كما يلي: اثنان عن جمعيات ضحايا التعذيب، واثنان عن الجمعيات ذات الصلة بحقوق الإنسان، بالإضافة إلى قاض عدلي ومحام، ومختص في المالية وآخر في العلوم الشرعية، وستة مختصين في العدالة الانتقالية.

 

تلك تركيبة الهيئة المفترضة، وذاك مجال تحركها ودرجة سلطتها. أما ما يحيط بها من أسئلة ومزالق فلا حصر له، بالنظر إلى ما يشوب نفوذها الكبير من تحفظات قانونية وسياسية وحتى أخلاقية، وبإمكانيات سقوطها، من خلال الانتماء السياسي والمحاصصة، إلى ما بات يسميه البعض بـ"العدالة الانتقامية" بدل "الانتقالية"، فضلاً عن ألغام الخوض في محطات تاريخية أصبحت مساءلتها مثاراً للتندّر، وضرباً من الخيانة لمرحلة بناء الدولة وبُناتها بالنسبة إلى عدد كبير من التونسيين. مثلاً، ماذا لو طالت المساءلة تجارب سياسية لشخصيات مثلت محطات مضيئة لدى جزء كبير من المجتمع التونسي، واقترنت بالحكم البورقيبي الذي يحظى برمزية تاريخية ووطنية؟ فضلاً عن ذلك، ثمّة تشنج سياسي مصدره الشخصيّة التي ستتولى رئاسة الهيئة، نظراً للانقسام الذي تشهده الساحة السياسية في تونس، خصوصاً قبل الانتخابات المقبلة.