"هومن" الجزائري ينصف المصابين بمتلازمة داون

09 نوفمبر 2017
ينقد "هومن" بشدّة الاستهزاء من الإنسان المصاب(العربي الجديد)
+ الخط -
حين أطلق المخرج الجزائري عصام تعشيت، عام 1988، فيلمه القصير الأوّل "القاتل" عام 2011، وكانت موضة الأفلام القصيرة في بداياتها، قبل أن تشكّل ظاهرة في الفضاء الجزائري، في ظلّ ندرة الإنتاج السّينمائي، قالت نخبة من النقّاد إننا بصدد مخرج يملك مشروعاً واعياً. وقد تأكدت ملامح هذا الوعي في أفلامه التي أخرجها في ما بعد، "نهاية سيجارة" 2014، و"إشارة المرور الحمراء" 2015، و"الرّسول" 2016.

شاركت هذه الأفلام في مهرجانات جزائرية ومغاربية وعربية ودولية وازنة، واستطاعت أن تحصد جوائز وتنويهات من لجان التّحكيم، منها جائزة أفضل فيلم قصير في أستراليا، وجائزة ثاني أفضل فيلم قصير في مهرجان الدّار البيضاء، وجائزة أفضل إخراج في مهرجان القاهرة، وجائزة لجنة التحكيم في تونس.

يقول عصام تعشيت، لـ"العربي الجديد"، إنه كان يقصد هذه المهرجانات ليقول إن هناك أوجاعاً وأحلاماً في بلاده، "ولم يكن يخطر في بالي أن أحصل على جائزة معيّنة، وكنت سأعود بالسّعادة نفسها حتى لو لم أتوّج ما دمت قد حقّقت هدفي".

ينفي عصام تعشيت أن يكون قد توجّه إلى الفيلم القصير تجنّباً للفخاخ والصّعوبات التي تحيط بحقل الفيلم الطويل في الجزائر، "بل إيماناً مني بجماليات هذا اللون السينمائي، وقدرته على تكثيف الحالة والرّسالة الإنسانيتين، وانسجاماً مع طبيعة اللحظة المعاصرة القائمة على روح السّرعة". يضيف: "في خاطري صرخة أريد أن أطلقها في أذن مشاهد مستعجل، على أن تبقى مدوّية في وجدانه طويلاً، فأنا أراهن على طول أثر الفيلم لا على طول الفيلم نفسه".
أمام هذا الرّهان، كان عليّ، يقول عصام تعشيت، أن أجالس نفسي، فالمخرج الذي لا يجالس نفسه كثيراً لا يستطيع أن يقنع أحداً، وأجد موضوعة إنسانية جديرة بالتناول، فكان أن فرضت علي نفسها حياة الأطفال المصابين بمتلازمة داون.

لطالما أغرتني عوالم هذه الشّريحة، يواصل محدّث "العربي الجديد"، وبرمجتني على أسئلة كثيرة، منها: ما مصدر هذه الطيبة الفائضة التي يتمتعون بها؟ لماذا نبدي كرهنا للإنسان الشرّير، لكننا نستهزئ، في المقابل، بالإنسان الطيّب مثل المصابين بمتلازمة داون، ونعتبره ساذجاً ومغفّلاً؟ لماذا نجد نحن "الأصحاء" صعوبة في التأقلم مع الآخرين، بينما يتأقلم المصابون معنا بسهولة؟ كيف يروننا؟ وما الذي ينتظرونه منا؟

انطلاقاً من هذه الهواجس، شرع عصام تعشيت في تصوير فيلمه القصير "هومن"، معتمداً على إمكانياته الخاصّة، "إذ تذهب أموال الدّعم الحكومي في الجزائر إلى الأفلام الطويلة والوثائقية، لدوافع ليست كلها فنية، لكنّ إيماني بإنصاف هذه الشّريحة، ولفت انتباه المحيط العام إلى جملة التعسّفات التي يقترفها في حقّها كان وقودي في طريقي الصّعب".

يرصد عصام تعشيت بعض هذه الصّعوبات بالقول: "كان صعباً أن أجد أشخاصاً مستعدّين للتمثيل من فئة المصابين بمتلازمة داون، والأصعب إن وجدتهم أن أقنع أسرهم بأن يسمحوا لهم بذلك. فالأسرة الجزائرية تتعامل مع طفلها المصاب على أنه فضيحة عليها أن تسترها، ولا تسمح لها بالظهور والتعامل مع المحيط، وهذه من المفاهيم والسّلوكات الخاطئة، التي يهدف الفيلم إلى نسفها".

في ملعب لكرة القدم، يطلب أحد المصابين بمتلازمة داون، الطفل إياد حشاشنة (13 عاماً)، من أطفال كانوا يلعبون هناك أن يسمحوا له باللعب معهم، فيدفعه أحدهم حتى يسقط أرضاً، في إشارة إلى عدم قبول هذه الشّريحة في المحيط العام، فما كان منه إلا أن يقاوم اللحظة بالحلم، إذ أغمض عينيه وراح يتخيّل العالم كلّه من المصابين بمتلازمة داون، وينتظر من أطفال الملعب أن يمدّوا إليه أيديهم، وهذا الذي كان في الواقع فعلاً.

وظّفت الرّؤية الإخراجية للفيلم، الذي حاز على جائزة أفضل فيلم قصير في مهرجان وهران للفيلم العربي، التعابير الجسدية، خاصّة ملامح الوجه، في الوصول إلى الحالات والعواطف الإنسانية العميقة، بعيداً عن منطق ثنائية الخير ـ الشرّ، التي تؤدّي بالمشاهد إلى أن يكره الشرّير في النهاية، ذلك أن الجاني والضحية معاً، في هذه الحالة يشتركان في كونهما ضحية لنظرة اجتماعية محتاجة إلى المراجعة.

المساهمون