فيلم "هدنة" لميريام الحاج: أسئلة الحرب اللبنانيّة المعلّقة

24 يوليو 2017
مقاتلو الأمس صيادو اليوم:"هدنة" لميريام الحاج (الملف الإعلامي للفيلم)
+ الخط -
حرب لبنان لا تزال غير مُنتهية، أقلّه على مستوى الإنتاج السينمائيّ. 15 عاماً (1975 ـ 1990)، وما تلاها من أهوالٍ ومصائب وأزمات غير محلولة، حاضرةٌ في وعي مخرجين لبنانيين عديدين، بعضهم يخطو خطوات أولى له في عالم الصورة المتحرّكة. "ندرة" تناولها عاملٌ محرِّض للبعض على الغوص فيها، وعلى البحث عن تفاصيلها وخباياها، أو في مآزقها وانكساراتها وتأثيراتها المختلفة. الذاكرة مليئة بقصص غير مروية، والأسئلة معلَّقة؛ لكن تناول هذا دونه صعوبات جمّة، لن تكون "الرقابات" اللبنانية (السياسية والدينية والاجتماعية والأمنية والحزبية والطائفية) أعنفها وأكثرها أذيّة، لأن لبنانيين كثيرين يمتنعون عن التحدّث فيها، ويرفضون مشاهدة صُوَرها على شاشة كبيرة، ويتجاوزون جراحها المستمرّة فيهم، وإنْ يتغاضون عن تلك الجراح.

مخرجون منتمون إلى فئات عمرية مختلفة يثابرون على العودة إليها. يفتحون أبوابها قدر المستطاع. يلتقون أناساً يعرفونها عن كثب، وأفراداً يعانون مَوَاجعها وتمزّقاتها، فيعيشون خيباتها وخيبات اللاحق بها من سلم أهليّ هشّ وناقص. يُدرك هؤلاء المخرجون صعوبة اختيار مواضيع مستلّة من الحرب وأخبارها وحالاتها ومساراتها وأكاذيبها. لكنهم يُصرّون على ذلك، وإنْ بوسائل إنتاجية متواضعة، عارفين أن بعض أعمالهم تلك لن تُعرض في الصالات، بقرار رقابيّ ما.

استعادة سؤال "سينما الحرب" نابعٌ من "عرض ثقافي" لفيلمٍ وثائقيّ لبناني، بعنوان "هدنة" (2015) لميريام الحاج، مساء اليوم الاثنين (24 يوليو/ تموز 2017) في بيروت.
عروضه السابقة غير كثيرة. مشاركاته في عروض خاصّة بمهرجان أو تظاهرة أو احتفاء سينمائيّ عديدة. لكن الأهمّ كامنٌ في فحواه، وفي حساسيته الذاتية، كونه متعلّقاً بحكاية مقاتلين سابقين في مليشيات مسيحية، يروون ـ أمام الكاميرا (تصوير فادي قاسم) ـ بعض أحوالهم وذكرياتهم أثناء تلك الحرب، وبعض راهنهم اليومي، وبعض تساؤلاتهم وهواجسهم.

هذا كلّه عبر شخصية رياض، عمّ المخرجة الشابة، الصيّاد الذي يملك دكاناً لبيع أسلحة الصيد وأدواتها. مقاتل سابق، يُصبح صيّاداً، ويبقى على علاقة صداقة برفاق السلاح الحربيّ، المتحوّلين ـ هم أيضاً ـ إلى صيادين: "بين ذكريات متبادلة في متجر الصيد الخاص بعمّي رياض، وجولات الصيد التي يعودون منها، غالباً، من دون غنائم، أسألهم وأواجههم: ما الذي بقي من معاركهم، والتزاماتهم، ومُثُلهم، بينما يستمرّ لبنان في العيش في عذابات عدم الاستقرار؟".

لكن بنادق الصيد تبدو كأنها تُعيد المقاتلين إلى أمكنتهم السابقة، فتبقيهم فيها، إذْ يظهر هؤلاء كأنهم يرفضون ـ ولو في لاوعي مخبّأ فيهم ـ التحرّر المطلق منها. كأنهم، بهذا، يرون الآنيّ حرباً متجدّدة، لا يزال "العدو" عاملاً فيها على إلغائهم. إنهم، اليوم، صيّادو طيور، يلتقون معاً لممارسة هواية الصيد، فيبدون كأنهم قادمون من ماضي حربٍ، يغرقون فيها ذات مرّة، ولا يخرجون منها لغاية اليوم، ويطرحون أسئلتهم فيها وعنها ومعها، في راهنٍ معلّق وغامض وملتبس، يكاد يكون "حرباً" من نوع آخر.


المساهمون