"هاي سكور"... تاريخ ألعاب الفيديو

26 اغسطس 2020
تتضمن ألعاب الفيديو مقاربات ثقافية تجمع اللاعبين بمختلف ألوانهم وأعراقهم (Getty)
+ الخط -

نسي جيل الألفية الثالثة معنى كلمة "أتاري". بصورة أدق، تحولت منصة اللعب هذه إلى غرض متحفي حالياً، سواء كنا نتحدث عن المنصة المنزليّة ذات اللاعبين، أو المحمولة باليدّ، أو تلك الموجودة في صالات الـarcade.

هذه الألعاب أصبحت تنتمي إلى زمن بعيد، ما قبل الإنترنت، وتستدعي نوستالجيا زمن كان "اللعب" فيه أقل تشبيكاً وواقعية وقدرة على محاكاة المخيّلة. حكايات هذه المنصات والألعاب نتعرف إليها في السلسلة الوثائقية "هاي سكور" High score، التي تبثها شبكة نتفليكس. الحلقات الست تكشف لنا عن تاريخ ألعاب الفيديو منذ نهاية السبعينيات، وتطورها التكنولوجي والثقافيّ، وكيف هيمنت الشركات الكبرى "سيغا" و"نيتندو" و"أتاري" على السوق العالميّة، إذ نتلمس طبيعة المنافسة بين هذه الشركات القائمة على أساس التطور التقني، والأهمّ مخاطبة اللاعبين وجذب جمهور أكبر، لا يقتصر فقط على الصغار، بل يشمل أيضاً المراهقين والبالغين.

المثير للاهتمام بالمسلسل أنه يعرفنا إلى الجنود المجهولين وراء ألعابنا المفضلة، كـ ماريو مثلاً، إذ نتعرف إلى المؤلف الياباني كوجي كوندو، الذي وضع الموسيقى الخاصة بها، ثم من رسم الشخصيات الشهيرة. كما نتتبع تاريخ ماريو نفسه الذي تحول من شخصية في دونكي كونغ إلى بطل لعبة منفصلة أسرت الملايين وأقيمت لها بطولات عالميّة.

كذلك نشاهد كيف غزا السوق الياباني الولايات المتحدة، وتحولت ألعاب الفيديو إلى مساحة للحوار الإبداعي والثقافيّ الهدف منه اللعب وتقديم شخصيات تخاطب أذواق الجميع. هذا التطور الذي تزداد معه القدرات التكنولوجية والمنافسة، نتعرف إثره على مفاهيم الهاي سكور، والمنافسة الزوجيّة والقوانين التي وضعت لضبط "العنف" في ألعاب الفيديو، خصوصاً مع ظهور لعبة "مورتال كومبات" الدموية، وكيف اضطر الكونغرس إلى التدخل خوفاً على الفتيان، خصوصاً أن العنف الشديد على الشاشة كان ولا يزال محط جدل بسبب النظريات التي تقول إن له أثراً على الواقع.

يأخذنا المسلسل إلى عالم "اللاعبين"، أولئك الذين طوّروا ألعاباً ونماذج ما زالت مستخدمة إلى الآن، إذ نتعرف إلى صناع لعبة Doom، أول لعبة ثلاثية الأبعاد نشاهد فيها من وجهة نظر اللاعب، والأهم هي أول لعبة يمكن أن يتنافس فيها اللاعبون عبر الإنترنت ضمن ما يسمى Death match، أو الجميع ضد الجميع، فما يبدو لنا الآن بديهياً أو جزءاً من اللعبة، كان في حينها نهضة هائلة، غيرت أسلوب اللعب وكيفية ممارستنا له.

مشاعر الحنين التي تعترينا أُثناء المشاهدة تترافق معها المفاجأة، فالمبرمجون والرسامون واللاعبون ينتمون إلى كافة بقاع العالم، كلهم يجمعهم حب اللعبة، هذا الحب الذي حول الألعاب الإلكترونية إلى واحدة من أكبر الصناعات والأسواق في العالم، بدءاً من الشريط الذي يمكننا من تبديل اللعبة متى أردنا، انتهاء بالبطولات العالميّة التي أِشعلت المنافسة بين المراهقين.

هذه السلسلة الوثائقيّة ليست الأعمق في ما يخص ألعاب الفيديو، لكنها تقدم لنا تسلية تاريخيّة تراهن على علاقتنا مع الماضي وألعابه.  خصوصاً أنها تتحدث عن بعض القضايا الحساسة والسياسية، التي حاولت ألعاب الفيديو أن تتناولها. إذ نشاهد كيف تمت إضافة لاعبين سود إلى لعبة كرة القدم الأميركيّة، "مادن"، وكيف ضاعت لعبة صممها مثلي أثناء الحرب على الإيدز، لعبة تبادلها المثليون في سبيل مواجهة "أعدائهم"، سواء كانوا فيروسات أو رجال دين أو سياسيين، هذ اللعبة ضاعت، وإلى تاريخ نشر المسلسل لم توجد منها نسخة، كون من صممها أضاع الملفات.

هذه المقاربات للقضايا الثقافيّة ضمن ألعاب الفيديو تكشف قدرة "اللعب" على احتواء الاختلاف وخلق فضاء للحوار بين اللاعبين على اختلاف ألوانهم وأعراقهم، وهذا ما نراه أيضاً في لعبة "ستريت فايتر"، التي ينتمي لاعبوها إلى مختلف الجنسيات والألوان وتخاطب الثقافة الشعبية العالمية وتلك المحلية في أميركا واليابان، وكأنها محاولة للم شمل الجميع، وفتح فضاء الشاشة للأقصى، بحيث يجد كل لاعب شخصية تشبهه وتقارب ليس فقط شكله، بل ما يحلم أن يكونه.

 

المساهمون