وفي تقرير موسع أعدّه معلّقها للشؤون العسكرية عاموس هارئيل، ونشر اليوم الأحد، أشارت"هآرتس" إلى أن قلقاً عميقاً يسود أروقة صنع القرار في واشنطن من إعلان بكين نواياها الصريحة بتوجهها لتعزيز تأثيرها في الساحة العالمية في العديد من المجالات، عبر توظيف منجزاتها في المجال التقني وعلم الروبوتات والذكاء الصناعي.
وبخلاف الانطباع السائد، فإن هارئيل، الذي يتواجد حالياً في واشنطن بصفته باحثاً زائراً في معهد "راند"، يرى أن التوتر مع إيران والتحولات التي تعصف بالعالم العربي لا تقف على رأس أولويات أولئك المسؤولين عن إدارة السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
ولفت إلى أن التنافس الاقتصادي والتقني هو الذي يشكل نظرة الولايات المتحدة إزاء خارطة العالم، وهو ما يجعل صناع القرار في واشنطن منغمسين في الجهود الهادفة لاحتواء الصين، مما يفضي بالضرورة إلى تقليص الاهتمام بمنطقة الشرق الأوسط، مستدركاً أن مستوى الاهتمام الأميركي بهذه المنطقة سيتعاظم فقط في حال سعت بكين إلى تعزيز نفوذها فيها.
وحسب هارئيل، فإن هذا الاعتبار هو الذي أملى على واشنطن إبداء كل هذا الاهتمام بما يجري حاليا في هونغ كونغ، وتحذيرها من الإقدام على قمع المحتجين على السياسة الصينية هناك.
ويوضح هارئيل أنه على الرغم من أن المؤسسة الأمنية الأميركية لا ترى أن اندلاع مواجهة عسكرية مع الصين احتمال واقعي في الوقت الحالي، إلا أن الجيش الأميركي يجري تدريبات ومناورات تحسباً لاندلاع مثل هذه المواجهة.
وأضاف أن الولايات المتحدة قلقة جداً من طابع الميزان التجاري مع الصين، مشيراً إلى أن ما يفاقم القلق الأميركي حقيقة أن الصين أوضحت بما لا يقبل مجالاً للشك بأنها تنوي تكثيف الاستثمار في منظومات "BIG DATA" وشبكات الهواتف المحمولة من الجيل الخامس.
وحسب هارئيل، فإن ما يفاقم إحباط الأميركيين حقيقة أنهم يعتقدون أن الصين تمكّنت من تحقيق اختراقات في هذه المجالات عبر التجسس الصناعي وسرقة الأسرار من الولايات المتحدة.
وأضاف أن واشنطن توجهت لشريكاتها التجارية، لا سيما بريطانيا، كندا، أستراليا ونيوزيلاند وإسرائيل وطلبت منها عدم عقد صفقات مع شركات الهواتف النقالة الصينية.
وحسب هارئيل، فإن المطالبة بمواجهة الصين ومحاولة احتواء نفوذها تمثل أحد القواسم المشتركة بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي على حد سواء.
وأعاد للأذهان حقيقة أن الاهتمام بروسيا متدن جداً مقارنة بالصين، على اعتبار أن الاقتصاد الروسي يعد اقتصاداً هامشياً إلى حد كبير.
ورأى أن ما عزز الرغبة الأميركية بتقليص الاهتمام بالشرق الأوسط حقيقة أن الأميركيين خاضوا حربين بكلفة كبيرة في كل من أفغانستان والعراق، إلى جانب أن الاقتصاد الأميركي لم يعد مرتبطا بمصادر الطاقة في هذه المنطقة، في ظل التقديرات السائدة بأن الولايات المتحدة ستصبح قريباً من الدول المصدرة للنفط، في أعقاب الثورة التي أحدثتها المصادر الصخرية للطاقة.
وأشار إلى أن المؤسسة الأمنية الأميركية التي تبدي اهتماماً كبيراً بالاستعداد لمواجهة الصين تتحفظ على قرار ترامب تقليص عدد القوات الأميركية في سورية، إلى جانب قراره الوشيك بتقليص عدد القوات في أفغانستان، على اعتبار أن مثل هذه الخطوة لا تعكس قوة أميركا.
ويتفق ما كتبه هارئيل مع ما ذهب إليه مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي في تقدير موقف نشره قبل أسبوعين، حيث أشار إلى أن الولايات المتحدة سمحت للهند بالاستثمار في بناء ميناء داخل إيران، على الرغم من العقوبات التي تفرضها عليها، فقط من أجل قطع الطريق على الصين وحرمانها من الاستثمار في هذا المجال.