"نيوم" السعودي مشروع للهيمنة والتطبيع والتسوية

12 مارس 2018
لم تتحدث الدولتان حول المشروع ونوعية المساهمة (بندر الغالود/الأناضول)
+ الخط -
أعلن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في أكتوبر الماضي عن مشروع "نيوم" خلال مؤتمر "مبادرات مستقبل الاستثمار" بحضور مستثمرين من 60 دولة، وكان لافتاً أن "نيوم" مشروع سعودي يُقام بمشاركة مصر والأردن، لكن لم تتحدث الدولتان حول المشروع ونوعية المساهمة وأدوارهما، ولم تعلن على مدار 5 أشهر مضت أي تفاصيل عن مشاركتهما، أو أهداف الشراكة.

ظل الصمت المصري الرسمي قائماً، رغم كثرة التساؤلات حول المشروع. صمتت وزيرة الاستثمار سحر نصر التي حضرت المؤتمر، وكأنها سمعت عن المشروع كما سمعنا نحن عنه، وليست وزيرة مختصة بكل ما يتعلق بالاستثمار والتعاون الدولي، ولم تعلق بتفاصيل عن المشروع الذي يخص الدولة التي تمثلها بالمؤتمر، واستمر الصمت أو التكتم بمعنى أدق.

ولا يختلف هنا صمت الوزيرة عن مشهد الصمت تجاه مشروع نيوم سواء من باقي أعضاء مجلس الوزراء، أو أعضاء مجلس النواب الذي من المفترض أن يناقش مثل هذه الاتفاقيات والمشاريع. ولم تعلن مؤسسة الرئاسة أيضاً عبر متحدثها أي تفاصيل، وكأن مصر ومؤسساتها تفاجأت بالمشروع، أو أن تفاصيل المشروع وضعها ولي العهد السعودي دون تشاور مع حكومة الدولتين الشريكتين، مصر والأردن.

وربما هناك احتمال ثالث وهو أن المشروع سبق التطرق إليه وتم النقاش حوله من قبل الحكومتين المصرية والسعودية فى مستوى محدود وبشكل مبدئي، وهناك ما يستدعي تأجيل إعلان تفاصيل المشروع وأدوار الشركاء، لوقت آخر، يكون مناسباً لإعلان التفاصيل.

بداية لابد من التأكيد أن التعاون الاقتصادي بين البلدان العربية، مطلب وطني، وضرورة لخلق التنمية لا يعارضه أحد، إلا أن أهم شروط التعاون الاقتصادي الذي يحقق أهداف التنمية، هو أن ينطلق من مصلحة الشعوب العربية، وألا يجور على مصلحة طرف من الشركاء لصالح طرف آخر، وأن يكون في محصلته النهائية تكاملاً اقتصادياً لمصلحة الشعوب، ومن هذا المنطلق سنكمل النقاش الذي بدأناه فى مقال سابق حول مشروع نيوم خاصة بعد زيارة محمد بن سلمان للقاهرة الأسبوع الماضي.
اعلان بن سلمان مشروع "نيوم" فى أكتوبر2017 لم يكن مجرد مشروع اقتصادي ينفذ بتكلفة 500 مليار دولار، لكنه وكما كان واضحاً أنه يحمل زوايا سياسية عديدة، بوصف تشابك العلاقات بين الاقتصاد والسياسة، وكون السياسة أحد تجليات الاقتصاد، نظراً لتأثيرات المشروع سياسياً، والذي يحمل ثلاثة آفاق محلية وإقليمية ودولية.

الأفق المحلي

يمثل مشروع "نيوم " خطوة نحو تدشين حكم ولي العهد محمد بن سلمان ليكون حاكماً فعلياً للسعودية، يقدم نفسه كحاكم شاب منفتح اقتصادياً وسياسياً وثقافياً على العالم، يؤمن بالشراكة وقبول الآخر والتحديث، ومتجدد فكرياً، قائد يستطيع تولي مهمة مشروع اقتصادي مبهر وضخم من حيث المساحة والامتداد الجغرافي فى ثلاث دول، ومن حيث العوائد الاقتصادية منه، ليثبت قدرته على الإدارة، بجانب قدرته على مواجهة الكتل الاقتصادية والسياسية المنافسة له محلياً، حاكم شاب يبني مستقبلاً اقتصادياً وسياسياً للسعودية ويحظى بقبول إقليمي وعربي وطبعاً بقبول أميركي وأوروبي.

طرح بن سلمان نفسه بوصفه حاكماً شاباً لدولة تتطور وتستعد للمستقبل بمشروع يحمل بشارة المستقبل "نيوم"، مستقبل جديد ويخدم أيضاً ملفات التعاون الإقليمي وعملية السلام، ويستعيد الأموال السعودية والخليجية ليتم استثمارها في نيوم، بالإضافة إلى استعادة السياحة الخليجية والعربية، وتوطينها فى نيوم بدلاً من الهروب إلى أماكن أخرى، بالاضافة إلى جذب السياحة من بعض المناطق أوروبياً وعربياً إلى "نيوم".

الأفق الإقليمي

يساهم المشروع في تقوية الجبهة العربية التي تقودها السعودية، ويدعم المشروع بشكل خاص مصر والأردن اقتصادياً، ويقوي علاقة الدولتين بإسرائيل عبر روابط ومصالح اقتصادية مشتركة، وسبق أن وقعت مصر والأردن اتفاقيات سلام مع إسرائيل، مما يسهل فى النهاية فرض ما يسمى بصفقة القرن، والتي تستهدف تسوية سياسية بين إسرائيل والعرب ككل، عبر إقامة دولة فلسطينية على أراضي غزة والضفة، مقابل إقامة علاقات طبيعية بين الدول العربية وإسرائيل، وإن كانت السعودية تتقرب من مصر والأردن بدعم اقتصادي ومساعدات ومنح، فإنها تستهدف قيادة دول الخليج بمفاهيم المؤامرة، والتكتل القبلي والطائفي، لمواجهة توسع النفوذ الإيراني الذى يتوسع ويقلقها، كما أقلقتها ثورات الشعوب العربية ورأت فيها تهديداً لوجودها ومستقبل حكم مشايخها وحكامها، إذا ما تطورت الأمور ووصلت الثورة إلى الخليج.

الأفق الدولي

يستهدف القائمون على مشروع "نيوم" تقوية علاقات السعودية (تحديداً الكتلة الحاكمة والمتحلقة حول بن سلمان) مع الكتل الرأسمالية العالمية، وهو ما يفسر حضور نخبة من رجال المال والأعمال، وسياسيين بارزين، وممثلي مؤسسات اقتصادية دولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد، وهذه الكتل في صالحها تذويب الحدود والانقضاض على الأسواق، واستغلال الموارد، وتمثل لها فرصة وجود تحالف إقليمى يستوعب إسرائيل مكسباً سياسياً واقتصادياً، كما يمثل مشروع نيوم خطوة في استيعاب إسرائيل، وهذا ما وضح من مشاركة رجال إعمال إسرائيليين، وهذا كله يساهم فى تسيد الرؤية الأميركية "صفقة القرن" للوصول إلى تسوية للقضية الفلسطينية.
نتج من زيارة محمد بن سلمان لمصر استكمالاً لملفين مترابطين، الأول ملف التعاون الاقتصادي المصري السعودي، وخاصة مشروع "نيوم"، والثاني متابعة الجهود المصرية بشأن الوصول إلى تفاهمات مع الجانب الفلسطيني، فيما يخص المفاوضات مع إسرائيل، واقتصادياً كانت أبرز نتائج الزيارة إعلان السعودية نيتها المساهمة في بعض المشروعات الاستثمارية، وكان الاتفاق الأوضح هو موافقة مصر على تأجير ألف كيلومتر مربع من أراضي جنوب سيناء لمشروع "نيوم"، كما أُعلن تأسيس صندوق استثماري مصري سعودي بـ10 مليارات دولار، ستدفع منها السعودية لمصر 5 مليارات.

يشير اتفاق التأجير الذي اتخذته الحكومة المصرية، إلى الإصرار في استخدام الحكومة لحلول خادعة للأزمة الاقتصادية، وهى قاعدة التصرف في الأصول (بما تتضمنه من أراضٍ ومنشآت) لتوفير موارد مالية سريعة، وهذه القاعدة لها أضرار عديدة اقتصادياً وسياسياً.

ويعد التصرف في الأصول بنظر البعض، حلاً سريعاً للأزمات المالية، لكنه فى النهاية لا يساهم في تفكيك الأزمة أو إنهائها، تأجير الأراضي كنموذج للتصرف في الأصول إن تم القبول به لا يساهم فى توفير فرص عمل أو سلعة، بالإضافة إلى كون فكرة تأجير الاراضي فكرة تنتقص من سيادة الدولة على جزء من أراضيها، فما بالك بالحديث عن أراضي سيناء؟

كما إن التصرف في جزء من أراضي سيناء بمنطق الاستثمار فى مشروع "نيوم"، يحمل خطراً يتعلق بكون المشروع ضمن منطقة صناعية خاصة، أي أن أراضي المشروع ستكون تحت إدارة مشتركة من الدول الشريكة فى المشروع، وهذا بجانب أنه ينتقص من السيادة، فإنه يكسر فكرة الحدود.

لذا يحمل اتفاق الحكومة المصرية بتأجير جزء من أراضي سيناء مؤشرات خطيرة، أولاً لكون المشروع ضمن إدارة مشتركة لثلاث دول وربما تكون إسرائيل الدولة الرابعة، ثانياً لخصوصية أراضي سيناء بوصفها أراضي حدودية، دار بخصوصها صراع عربي اسرائيلي ولطبيعة تلك الاراضي وأهميتها من حيث الموقع والثروات الطبيعية، والمكانة الاستراتيجية.
المساهمون