يقف الفيلسوف الكاميروني والمنظّر السياسي آشيل مبيمبي (1957)، أمام تاريخ ضخم يبدأ من تجارة العبيد التي عبرت الأطلنطي وصولاً إلى اليوم، ويعيد قراة العنصرية محاولاً فهم مستقبل البشرية في ظلّ هذا الماضي، ضمن كتابه "نقد العقل الزنجي" الذي صدرت ترجمته حديثاً عن داري "الروافد الثقافية" في بيروت و"ابن النديم" في الجزائر، وقد نقله إلى العربية المترجم طواهري ميلود.
يقرأ صاحب "الخروج من الليل الكبير" (2010)، في الواقع العالمي بعد أن توقفت أوروبا عن أن تكون مركز العالم، الموقع الذي اتخذته لقرون، ويتطرّق إلى العلاقة بين الكولونيالية والعبودية ورأس المال العالمي والاستغلال الاقتصادي.
بالنسبة إلى الكاتب فإن العقل الزنجي يتألّف من مجموعة من الأصوات والخطابات وأشكال المعرفة، والتصريحات والتعليقات بل والهراء أيضاً؛ ويضيف إلى كلّ هذه الأمور الممارسات التي تنتج عنها. وفي حين يبدو أن هذا التعريف ينطبق على أي عقل، لكن قد يكون هذا بالضبط ما يريده مبيمبي، وهو أن التصوّر الغربي عن العقل مختلف عن الأفريقي بسبب أنهما نتاجا جغرافيتين وتجربتين مختلفتين في التاريخ.
ويقترح أن الاتصال بين هاتين البقعتين أنتج سرديتين؛ الأولى متمثّلة بالوعي الغربي للزنوجة، والثانية هي الوعي الزنجي للزنوجة.
يتتبع الكاتب العلاقة التي ربطت "الزنوجة" بالخيال البيولوجي للعرق، ويبني نظرية حول تركيبة "العقل الزنجي"، باعتباره نتيجة لمجموعة من الخطابات والممارسات التي ساوت الزنوجة بما هو ليس بشرياً، وكان هذا القالب الذي حمل كلّ أشكال القمع. بل إنه يرى أن ثمة استمرارية لهذا القالب والذي سيكون حاملاً لأشكال جديدة من القمع والاستبداد والاستغلال؛ يقول مبيمبي في المقدمة التي عنونها بـ"عالم آيل إلى الزنجية"، إن ثمة تركيب مدوّخ لتاريخ التفكير في العرق والزنوجة، وأنه تكوّن نتيجة ثلاث لحظات أساسية؛ الأولى هي تجارة العبيد عبر المحيط الأطلنطي والتي حوّلت البشر إلى أشياء وبالتالي سلع تعادل نقداً، واللحظة الثانية في القرن الثامن عشر حين بدأ الزنوج بكتابة تاريخهم وبدأت حركات التحرّر والثورات، أما اللحظة الثالثة فتبدأ مع العولمة في القرن الحادي والعشرين.
يرسم صاحب "سياسات العداء" (2016)، خريطة للعالم كما صنعتها الكولونيالية والتفكير العرقي، ملقياً نظرة على ما يمكن توقعه من مستقبل لهذه الخريطة، وذلك عبر ستة فصول عناوينها "موضوع العرق"، و"بئر الاستيهامات"، و"الاختلاف وتقرير المصير"، و"السر الصغير"، و"قدّاس لراحة العبد"، و"إكلينيكية الذات".
أخيراً، يلفت الكاتب إلى الفروق الجوهرية في تجارب السود؛ مثال ذلك الذين عاشوا في أميركا تجربتهم مختلفة عن السود في البرتغال على الصعيد الاجتماعي والثقافي والسياسي، لكن ما يجعل هناك إمكانية، بحسب المؤلف، لوجود "عقل زنجي" جمعي أنه يمثّل الوعي بتجارب لا مفرّ منها، شكّلت جميع السود وهو أن كل رجل أسود وامرأة سوداء اليوم كان أو كانت بشكل أو بآخر سليل/ة الرق أو الاستعمار أو الفصل العنصري.