"نساء الأرز" في بوركينا فاسو يكافحن بسواعد نحيلة

26 فبراير 2015
نساء يعملن في حقول الأرز في بوركينا فاسو (GETTY)
+ الخط -


يعملن جاهدات كادحات مع أكداس الأرز المكوّمة في مراكز التجميع، إثر جمعها من المزارع الشاسعة الممتدّة في أكبر حوض لهذا المنتج في بوركينا فاسو، والواقع في منطقة باغريه، على بعد 240 كلم من العاصمة واغادوغو.


يحرّكن بسواعدهن النحيلة قدراً يضاعف أحجامهن، ثم يقمن بتصفية الحبيبات البيضاء الصغيرة لتصبح، أخيراً، جاهزة للاستهلاك. هنّ بائسات، وإيراداتهنّ لا تفي أبسط احتياجاتهن، ومع ذلك، تشهد أناملهنّ المتعبة على إتقان لافت لعملهن، ليحملن عن جدارة اسم "نساء الأرز".

عددهن يتجاوز الـ 460 امرأة، يقمن بتحويل سنابل الأرز الخضراء إلى الحبيبات البيضاء المعروفة في كامل أرجاء المعمورة. كما يؤمنّ عمليات تزويد الحرفاء بطلبياتهم من المنتوج، بحسب المواعيد المتّفق عليها سلفاً. هنّ دائماً على الموعد، وقدر من الوعي بالمسؤولية، والتي تشمل تأمين حسن سير العمل في "مركز اتحاد معالجة الأرز بباغري"، بسعة 1,7 مليار متر مكعّب، وسط شرقي البلاد.

أوانٍ ضخمة موضوعة على أحواض المياه، وكمّيات كبيرة من الأرز تتعاون النساء على حملها من أجل إفراغها في قدر كبير مملوء بمياه تغلي بشكل بطيء على نيران هادئة. أمّا على السطح، فقد نشرن الأرز إثر سلقه وتصفيته من الماء، لتجفيفه تحت أشعة الشمس الحارقة. وفي خضم الصخب المصاحب لذهاب وإياب العاملات في حركة نشيطة لا تعرف الكلل، ترتفع أصوات آلة التقشير رتيبة مزعجة لمن تطأ قدماه المكان للمرة الأولى، غير أنّ لا وقع لها ولا تأثير على نساء اعتدن الضجيج، حتى أضحى من مكوّنات مشهدهن السمعي اليومي.


ويبلغ حجم الإنتاج في هذا المركز الذي تأسّس في 2010، ويشتغل على مدى 24 ساعة، بنظام تعاقب مجموعات يبلغ عددها 18، طناً ونصف الطن يومياً، وتستخدم العاملات تقنية تجفيف استثنائية تتيح للأرزّ المحافظة على ثراء خصائصه الغذائية، وفقاً للمتخصّصين في المجال.

وتوضيحاً لمختلف مراحل معالجة الأرز، قالت رئيسة المركز مريم نانا إنّ "سنابل الأرز هي المادّة الأوّلية التي نستخدمها، والتذرية هي أولى محطّات عملنا (تخليص البذور من السنابل)، قبل أن نمرّ إلى عملية غسل الحبيبات بحسب كميات الشوائب العالقة بها، ثمّ نمر، في مرحلة موالية، إلى نقعها في قدر كبير قبل تصفيتها وتجفيفها. وإثر ذلك، نقوم بفصل الأرز المجفّف عن ذاك الذي لم يبلغ بعد هذه المرحلة، ثم نفرزه قبل تعليبه، وجميع هذه المراحل تكلّفنا يومي عمل".

وأضافت أنّ الطاقة الإنتاجية للمركز تراوح من 700 إلى ألف و500 طن سنوياً، وفي نهاية كلّ موسم، يقع تقسيم الأرباح كالتالي: 20 في المائة للمركز، و10 في المائة للمجمّعات الأساسية، و10 في المائة لمختلف أعضاء مجلس إدارة المركز.

وعلاوة على العمل الجماعي الذي تقوم به العاملات في المركز، فإنّ بإمكانهن العمل بشكل فردي. وفي جميع الحالات، فإنّ نشاطهن يمكنّهن من "تلبية احتياجات عائلاتهن الأساسية، كتعليم أطفالهن، وتغطية المصاريف الطبية وغيرها من النفقات الضرورية الأخرى"، على حدّ تعبير رئيسة المركز.

بلقيسا لنغاني إحدى العاملات في هذا المجال منذ ما يزيد عن 12 عاماً، قالت: "أستطيع الحصول على 25 إلى 50 ألف فرنك أفريقي (من 40 إلى 80 دولاراً) شهرياً، غير أنّه ينبغي الاعتراف بأنّ العمل مضنٍ إلى حدّ كبير".

وتواجه أولئك النساء المثابرات في مجال تحويل الأرز يدوياً خطر اندثار مصادر رزقهن جراء الرواج الذي تلقاه مصانع المعالجة الآلية في البلاد. واقع رأت مريم أنه لا يشكّل خطراً كبيراً، طالما أنّ جودة معالجة الأرز يدوياً لا ترقى إليها أيّ تقنية أخرى في هذا المجال، مؤكّدة أنّ "المسألة هنا تتعلّق بالجودة الغذائية وبلون الأرز، بالإضافة إلى سعينا نحو مكافحة الفقر، ولهذا يتعيّن على الناس تفهّم مختلف الجوانب المذكورة".


ويعرض الكيس الواحد بوزن 25 كلغ من الأرز المسلوق والمعالج يدوياً من قبل نساء باغريه، للبيع بالجملة، بسعر ثمانية آلاف و500 فرنك أفريقي (14,7 دولاراً)، وهذا السعر يمكن أن يبلغ 15 ألف فرنك أفريقي (25,9 دولاراً) في بعض بلدان منطقة غرب أفريقيا.

ودعماً لمنتوج الأرز المحلّي، دعت رئيسة المركز سلطات بلادها إلى تنظيم حملات توعوية لحثّ السكّان على استهلاك الأرز "البوركيني"، قائلة "منتوجنا غني بالفوائد الصحية، غير أنّ الناس يتجاهلونه، وفي اعتقادي أنّ عليهم الاهتمام بجودة الأرز عوضاً عن ثمن بيعه".

وتحظى النساء معالجات الأرز بدعم متعدّد من شركاء التنمية للبلاد، غير أنّه يتعيّن عليهن –دائماً - التعويل على قدراتهن الداخلية، من أجل تحويل الأرز وتحسين ظروف حياتهن. ولتحقيق هذا الهدف، حصلن، في 2011، على مرافقة مالية من منظمة أوكسفام الدولية غير الحكومية. كما قمن بتوقيع اتّفاقية بقيمة 100 مليون فرنك أفريقي (نحو 173 ألف دولار) مع اليانصيب الوطني في بوركينا فاسو، من أجل اقتناء وحدة إنتاج جديدة ومتطوّرة للرفع من مردودية عملهن.

وختمت مريم حديثها قائلة: "لقد قمنا باقتناء الفضاء اللازم، لكننا لم نشرع في الأشغال اللازمة، نظراً للفترة الانتقالية التي تشهدها البلاد".

اقرأ أيضاً: "حفظ النعمة" مبادرة شبابية لمساعدة فقراء غزة

المساهمون