"نداءات الباعة": تاريخ صغير للأسواق العراقية

20 أكتوبر 2017
(سوق الخضروات في بغداد عام 1921)
+ الخط -

على الأرجح، لم يقم أحد من دارسي وباحثي علم الاجتماع في البلاد العربية، بدراسة ظواهر الشارع الصغيرة اجتماعياً وإحصائياً قبل المصري سيد عويس، مثلما فعل في كتابه "هتاف الصامتين"، عام 1971، وكان موضوعه ظاهرة الكتابة على هياكل المركبات في المجتمع المصري المعاصر، من الإسكندرية إلى أسوان.

وإن كان الأمر لم يعد بجديد اليوم، إذ تغص أدبيات علم الاجتماع في العالم بالأبحاث التي تدرس سلوكيات صغيرة جماهيرية لتفهم ظاهرة أكبر، إلا أن قلة من علماء الاجتماع العرب تلتفت إلى هذا النوع من الأبحاث، الذي ينتبه إلى تفاصيل شعبية صغيرة ويحلل معناها الاجتماعي وأصلها الثقافي وعلاقتها بالسياسي.

من هنا، تأتي أهمية كتاب الأكاديمي العراقي شفيق مهدي (1946) الصادر مؤخراً بعنوان "نداءات الباعة وأصحاب الحرف"، حيث جمع الباحث، على مدار عقود متفرقة من تاريخ العراق، النداءات التي يطلقها الباعة المتجولون أو الذين يقفون في السوق للفت نظر المتسوقين إلى بضاعتهم، كما جمع الحكايات التي يرويها الباعة والعمّال في حرف مختلفة أثناء طوافهم بين البيوت بحثاً عن عمل ما، كتصليح الأعطال والبناء وشراء الحاجيات العتيقة وغيرها.

لم يكتف الكاتب طبعاً بجمعها بل قام بدراسة اختلافاتها من زمن إلى آخر، وعلاقتها بالتراث الشعبي.

يتضمن العمل ثلاثة أبواب؛ الأول عنوانه "الباعة" وفيه حديث عن الأسواق والفروق بينها، من السوق العربية إلى البغدادية إلى الجنوبية، كما يتطرق إلى النداءات وعلاقتها بطبيعة البضائع، ويتحدث عن "المدن والبلدان والنداء"، وما يطلق عليه "نداءات العامة" على الفواكه والخضروات والأطعمة والوجبات التي تباع في الشوارع والأسواق.

في الباب الثاني، يخصّص الباحث جهده للحديث عن النداء على بضائع الأطفال من ألعاب ومأكولات عامة وحلوى.

أما الباب الأخير، فقد تناول فيه صاحب "مماليك مصر والشام" أصحاب الحرف، وقسمه إلى ثلاثة أجزاء لدراسة "الحرف المنقرضة"، ثم "الحرف على حافة الانقراض"، ثم "الحرف الباقية".

وضع شفيق في نهاية كتابه ملحقاً عنونه بـ "نداءات الحصار"، وفيه يتطرق لتحولات الأسواق والمهن الشعبية من خلال نداءات الباعة أثناء الحصار الاقتصادي الذي عاشه العراق في التسعينيات.

دلالات
المساهمون