خلال الستّين سنةً الماضية، حقّقت "نجمة"، روايةُ الكاتب والمسرحي الجزائري كاتب ياسين (1929 - 1989)، انتشاراً كبيراً، ووصلت إلى كثير من لغات العالم. فالرواية التي صدرت عام 1956 واعتبرها النقّاد، حينها، "أجمل نص أدبي مكتوب باللغة الفرنسية لكاتب من أصل غير أوروبي"، ظلّت قادرةً على التجدّد وتوليد المزيد من الأسئلة الحرجة حول الموضوعات التي لمستها؛ حول الثورة والهوية والوجود والحب والجنون، وحول الجزائر.
الرواية التي اعتُبرت عملاً أدبياً فارقاً، طالما كانت أيضاً نصّاً مركّباً ومشفّراً وملغوماً يستعصي الولوج إلى عوالمه وفكّ شفراته. إنه من تلك النصوص التي تطرح الأسئلة من دون أن تقدّم أجوبةًّ شافية للقارئ الذي سيظلّ يتساءل إن كانت "نجمة"، التي ظهرت أيضاً في نصوصه الشعرية والمسرحية بصور مختلفة، امرأةً أحبّها ياسين وكتب عنها، أم أنها الجزائر التي نقل صورةً عن فترة مريرة من تاريخها المعاصر.
لعّل تعدّد ترجمات النص إلى لغة مثل العربية، مثلاً، يشير إلى تلك الصعوبة في التعاطي معه. فالعمل صدر بالعربية، لأوّل مرّة، في الستينيات بترجمة أنجزتها ملك أبيض العيسى، ثم أنجز محمد قوبعة ترجمةً ثانية في الثمانينيات، قبل أن يترجمه جزائري، لأوّل مرّة، هو الناقد السعيد بوطاجين إلى العربية، وكان ذلك عام 2007.
أخيراً، ستكون الرواية في متناول قرّاء الأمازيغية أيضاً، بعد صدورها بهذه اللغة، قبل أيّام، بترجمة أنجزها رابح بوشنب، الذي سبق أن ترجم إلى اللغة نفسها رواية "زاديك" لـ فولتير. وقد صدرت الترجمة عن "المحافظة السامية للأمازيغية"، وهي مؤسّسة رسمية تُعنى بكل ما يمتّ بصلة إلى اللغة والثقافة الأمازيغيتين في البلاد.
ترعى المؤسّسة، منذ سنوات، ورشات ومشاريع للترجمة يُشرف عليها مختصّون في اللغة الأمازيغية، كما اشترت حقوق النشر الخاصّة بعدد من الأعمال الأدبية الجزائرية والأجنبية بهدف ترجمتها إلى هذه اللغة. وقبل "نجمة"، كانت قد أصدرت ترجمات لسبعة أعمال أدبية؛ هي: "تاسيليا" لـ عز الدين ميهوبي، و"الأسود يليق بك" لـ أحلام مستغانمي، و"القلاع المتآكلة" لـ محمد ساري، و"ليلة الحنة" لـ حميد قرين، و"طاوس عمروش" لـ جوهر أمحيس، و"ألعاب طفولتنا" لـ نور الدين لوحال" و"حرب يوغورطا" لـ سالوست.
المؤكّد أن كثيراً من تلك الأعمال لا يشكّل علامات فارقةً أو محطّات مفصلية في تاريخ الأدب الجزائري، كما بالنسبة إلى رواية "نجمة" التي تكمن أهمية ترجمتها، إضافةً إلى أهمية النص ذاته، في أنها تربط الصلة بين الكاتب ولغة أحبّها وناضل من أجلها ضمن "الحركة الأمازيغية"، هو الذي قال "أنا أمازيغي لا أُحسن الأمازيغية"، وأطلق على ابنه اسم أمازيغ.
كانت الأمازيغية جانباً أساسياً من هوية ياسين الذي كتب باللغة الفرنسية، لكنه اختصر فلسفته تجاه ذلك بجملته الشهيرة "الفرنسية غنيمة حرب". كان ياسين يؤكّد دائماً "أكتب بالفرنسية لأقول للفرنسيين إني لست فرنسياً".
اقرأ أيضاً: كمال داود.. استقطاب الغريب