"موندياليات": بريمه الألماني وبطارية التلفزيون وسحسوح أبي

16 يونيو 2014
الصورة مركّبة من صورتين لـ"سابجاغ" و"كريستينا رايتشل" / Getty
+ الخط -
المكان : بيروت

الزمان: صيف 1990

كلّ شيء بات جاهزا للمباراة النهائية. قام أبي بتوصيل كابلي بطاريات السيارات على شاشة التلفزيون الصغير. حضّرنا في منزلنا كلّ ما يلزم لمتابعة مباراة بمثل هذه الأهمية. خفت من صوت القذائف المتبادلة بين الجيش السوري والجيش اللبناني بقيادة ميشال عون حينها. جلست أراقب أبي بدقة. قام بـ"تزليط" شريط ثم وصل قطعتين من النحاس على آخره. أنهى عمله وقال: "منحطّ الكابل الإيجابي هنا والكابل السلبي هنا".

ظهرت مذيعة التلفزيون لتقول: سنكون معكم في نقل مباشر لنهائي كأس العالم في إيطاليا، بين المنتخبين الألماني والأرجنتيني. كونوا على الموعد مساءً. فطلب أبي منّا عدم المسّ بالبطاريات الشاحنة حتّى المساء. "من يقترب.. سأركله.. سأشوطه شوطة ترميه من شباك البيت". 

كنتُ قد شبّهت تسديدات لاعبي ألمانيا بعيارات "القذائف" التي كان يستخدمها الجيشان في معركة ذاك الصيف. فماتّايوس، كابتن منتخب ألمانيا هو مسدّد صواريخ من عيار 155 ملم، أما بريمه المدافع الفذّ فتسديداته هي 240 ملم "الأصلية". وهي أقوى عيارات القذائف التي كانت تنهمر على منطقتنا في حرب "التحرير".

حان موعد المباراة النهائية. جلسنا كحلقة عائلية حول الشاشة. لاحظ أبي أنّ كابلي البطارية منزوعان. همّ بإعادتهما، ولكن البطارية لم تعمل. وقد ظهرت رقعة من "السواد" عليها. أدرك أبي أنّ أحدهم عبث بها. نظر إليّ بغضب شديد وخرج ليستبدلها بأخرى، ويعيد العمل كي نتمكن من اللحاق بمشاهدة الشوط الثاني بعدما فاتنا الشوط الأوّل... أعطى الحكم ضربة جزاء في اللحظات الأخيرة لمصلحة منتخب ألمانيا. فانبرى بريمه ليسدّد. وفعلاً سجّل الألمان هدفا حاسما، وقمت كالمجنون أرقص وسط الحلقة العائلية. وفجأة هوت صفعة قوية على رقبتي في ما يعرف بأنّه "سحسوح... ما بيفهم".

وقفت والدموع المصحوبة بالدهشة تنهمر من عينيّ، مستغربا تصرّف أبي، الذي ضحك بلؤم شديد، وقال لي: "ليش زعلان؟ ولو! ما هيدا بريمه وعياراته 240 ملم. ولازم يكون السحسوح حسب العيار، وحسب البطارية أكيد". ومن يومها صرت نصيرا للألمان حتى كدت أصبح جرمانياً من بني جرمان ويسكن في بيروت، كأنها برلين الغربية والقصف من بيروت برلين الشرقية، والقصف المتواصل كالكفوف المتتالية على رقاب المنطقتين.

 

المساهمون