"موطني": ثلاثيّة بطعم الغرق

12 يوليو 2016
الممثلة السوريّة منى واصف (فيسبوك)
+ الخط -
"موطني"، ثلاثية تلفزيونية سورية، أُنتِجَت مؤخَّراً، لكنَّها ثلاثية بطعم الملح، ثلاثيَّة حاولت منذ دقائقها الأولى تقديم شخصيات حقيقيَّة وبسيطة وعميقة بنفس الوقت. إنّه عمل، كلّ شخصيّاته هم الأبطال، دون أن يوجد أي بطل حقيقي، سوى الموت. مجموعات وعلاقات وأشخاص وأسر من مدن سورية مختلفة، ومن طبقات اجتماعية مختلفة، ستجمع بينهم أصعب رحلة عاشها الإنسان في تاريخ البشرية كلها. رحلة ركوب البحر للوصول إلى الشواطئ اليونانية، رحلة الهرب من الصواريخ ومن الدمار، ولكنها فقط رحلة بين الموت الحار والموت البارد والمالح.

تلتقي الشخصيات، حين تبدأ تلك الرحلة، وحين تكتشف الشخصيّات، العفن الذي يسكن المُهرِّب وحجم الخداع والاستغلال المادي الذي يمارسه هذا الدود الذي يستغلُّ الحرب. وقبل البدء بالرحلة، تجوب بين الراحلين، الأم، منى واصف، وبيدها صورة ابنها الذي ذهب مع مهرّبٍ في البحر، ولم يعد. تمشي، منى واصف، وتقول للشباب المتحمسين للرحيل بشكل حادّ وجارح، بأنّهم لا يجب أن يرحلوا. يسير البلم، وكأنه يمثّل كل البلد التي ذهبت من بين أيدينا، البلد التي صارت وحيدة وغريقة مثل هذا البلم.
يدخل الرعب قلوب الجميع، حين يطلِق خفر السواحل رصاصهم باتجاه البلم، هنا، يصبح الخوف بحراً آخر، يطفو فوق ذاك البحر، وتتمسَّك الأمّ بصغيرها، وتلبسه سترة النجاة، مُعتقدةّ أنّها ستحميه، لكن، للبحر قواعده الخاصة في لعبة الحياة، فالبحر ديكتاتور جديد ووحش من ملح وماء. يبتلع البحر الأب، محمد حداقي، وهو يحاول أن ينقذ أخته. وتبقى الأم، أمل عرفة، وحيدة ممسكة بطفلها الذي يخنقه البحر. ويترك الشاب المتعالي والغني، يزن السيد، خطيبته التي بدأت تغرق لتكتشَف هشاشة الشخصية وأنانيتها. بعكس الشاب الآخر، سعد مينة، الذي لا يسبح أبداً، دون أن ينقذ الفتاة التي لا تتقن السباحة، مُؤكّدًا على شهامةٍ متأصِّلة. 

تصل، أمل عرفة، إلى اليابسة، وهي لا تزال تنادي على زوجها الذي فقدته، وتمسِك طفلها، ولكنّها حين تكتشفُ أنّ الطفل قد فارق الحياة منذ فترة وهو على يديها، تؤدّي أمل مشهداً مُؤلماً لدرجة الموت. تصرخ أمل بصوت يجعل القلب يقف على رؤوس أصابعه، تصرخ من روحها المحروقة. ترفع رضيعها الميت، وتحاكي الله بلغة لا تفهمها أية لغة. يدفنون الطفل على شاطئ لجزيرة يونانية مهجورة، ويكملون، وقد نقصوا ثلاثة أشخاص.

الرجل الكبير بينهم هو الممثل، علي كريم، وهو الأب الذي أصرّ أن يخاطر هو بحياته، وأن يعيش هو تجربة الموت، بدلاً من أبنائه، الذين سيعمل لهم لم شمل بعد وصوله إلى أوروبا. وبعد كل هذه الرحلة التي لا تصدق، وحين يصل إلى الجزيرة يتّصل لكي يطمئن عن أولاده، ليكتشف أن صاروخاً جاء بغيابه، وأكمل عنه مهمة لم الشمل. هنا، يؤدي، علي كريم، دوراً، ربما، هو الدور الأجمل له في كل مسيرته الفنية على الإطلاق.

ثلاثية "موطني"، للمخرج السوري، صفوان مصطفى نعمو، هي من الأعمال السورية القليلة جداً، والتي استطاعت أن توصِل لروح المشاهد، بعضاً من طعم الحقيقة، وذلك بسبب النص الجيد، والتمثيل الجيد، بالرغم من الإمكانيات الإخراجية المتواضعة.


المساهمون