رغم التقطعات الكثيرة بين الثقافتَين العربية والأفريقية، والتي تبرز تمظهراتها في أكثر من مجال، لا يكاد البعد الأفريقي يحضر عربياً إلّا على استحياء، وهو ما قد يُفسَّر بسوء الفهم بين الجانبَين، أو بالنظرة الدونية إلى "الآخر" الأفريقي.
لا يقتصر ذلك على البلدان العربية الآسيوية، بل ينسحب أيضاً على البلدان العربية الواقعة في "القارّة السمراء"، والتي يبدو أنها كثيراً ما تتناسى هذا البُعد في هويّتها، فلا تكاد تستحضره إلّا بشكل مناسباتي. قد يُستثنى السودان من هذه الحالة، باعتباره المثال الأوضح لتمازج البُعدَين العربي والأفريقي.
عدا ذلك، يُمكن الإشارة إلى بعض التجارب الأدبية والموسيقية والتشكيلية العربية التي قامت على استلهام الثقافة الأفريقية. قد نذكر، في مجال الأدب، الروائي الليبي إبراهيم الكوني (1948) الذي تشتغل رواياته على ثيمة الصحراء، وفي التشكيل الفنّان المغرب محمد القاسمي (1942 – 2003) الذي تَوجّه في السنوات العشر الأخيرة من حياته إلى القارّة الأفريقية وبيئتها وثقافتها، مستلهماً منها مادّته الفنيّة، وهو ما عُرف في تجربته "المرحلة الأفريقية". وفي الموسيقى، يبرز العديد من الفنّانين الذين اشتغلوا على الموسيقى الأفريقية؛ لعلّ أبرزهم الجزائري عثمان بالي (1953 – 2005).
وفي مجال التبادُل الثقافي، يبدو الواقع محتشماً هو الآخر؛ إذا ما استثنينا بعض التظاهرات التي تكاد تُعدّ على أصابع اليد الواحدة، لعلّ أبرزها "المهرجان الثقافي الأفريقي" الذي نُظّم في الجزائر صيف 1969، بحضور أفريقي كبير.
كان يُفترض أن تُقام التظاهرة بشكل دوري بين بلدان القارّة، لكن ذلك لم يحدث؛ إذ لم يُنظَّم مرّةً أخرى إلّا بعد ثلاثين سنةً على ذلك، حين استضافته الجزائر مجدّداً في صيف 2009؛ بمشاركة 15 بلداً أفريقياً حضر بفعاليات تنوّعت بين الأدب والموسيقى والمسرح والسينما والتراث.
ومن بين التظاهرات الثقافية العربية المخصّصة للسينما الافريقية، نذكر: "مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية" في مصر، و"مهرجان السينما الأفريقية" بمدينة خريبة في المغرب الذي بدا، في السنوات الأخيرة، وقد كثّف من الحضور الثقافي الأفريقي فيه.
وقبل قرابة ستّ سنوات، استضافت "المؤسّسة العامّة للحي الثقافي كتارا"، في الدوحة، "مهرجان كتارا الأفريقي الأوّل" الذي نُظّم بين السابع والثالث عشر من نيسان/ أبريل 2013، والذي شارك فيه خمسة عشر بلداً أفريقياً، من بينها خمسة بلدان عربية، بفعاليات مختلفة تعكس الثقافة والفن في القارّة السمراء.
مؤخّراً، أعلنت المؤسّسة عن تنظيم المهرجان مجدّداً مطلع العام المقبل، مضيفةً أن التظاهرة التي "تسعى إلى مدّ جسور التواصل بين الشعوب والثقافات، ستشهد مشاركة عشرين بلداً أفريقياً بعروض وأنشطةٍ ثقافية تُعرّف الجمهور بثقافته".
واعتبر مدير عام "كتارا"، خالد بن إبراهيم السليطي، أنَّ المهرجان، الذي ينُتظر تنظيمه في الربع الأول من 2019، "سيكون فرصةً ليتعرّف الجمهور على عراقة الثقافة الإفريقية التي كان لها أثر كبير على الثقافة الإنسانية".