"منتدى أسبن الأمني" والصداع الأميركي في الشرق الأوسط

20 يوليو 2019
تداول المؤتمر سياسة ترامب تجاه التحديات الدولية وكيفية مواجهتها(Getty)
+ الخط -
افتتح يوم الخميس "منتدى أسبن الأمني" مؤتمره السنوي، في مدينة أسبن بولاية كولورادو الأميركية، ويستمر حتى اليوم السبت، بحضور واسع من النخب الفكرية والسياسية والأمنية -العسكرية والاقتصادية والأكاديمية والبحثية والإعلامية الأميركية، للتداول في سياسة الرئيس دونالد ترامب تجاه التحديات الدولية الراهنة وكيفية مواجهتها.

وكالعادة شارك في ندوات المنتدى، الذي يعتبر بمثابة "دافوس" الأميركي، جمع كبير من المسؤولين الحاليين والسابقين، مدنيين وعسكريين ودبلوماسيين وخبراء من كافة هذه المجالات، استعرضوا خلالها السياسات المعتمدة وعواقبها المتوقعة، في شؤون التجارة الدولية والعلاقات مع الصين وروسيا وكوريا الشمالية ومواضيع التحالفات ومحاربة التطرف وانتعاش القومية الشوفينية والحرب السيبرانية وغيرها.

وكان نصيب الشرق الأوسط ثلاث ندوات خاصة، توالت أمس الجمعة؛ واحدة عن "استراتيجية إدارة ترامب في المنطقة"، والثانية عن إيران والثالثة عن سورية. اللافت أن المناسبة خلت من ندوة خاصة عن كل من تركيا والسعودية، مع أن الاثنين من مواضيع الساعة في واشنطن.

وإذا كان ممثلو الإدارة في الندوة قد وجدوا صعوبة كبيرة في تسويق الدفاع عن تقلبات وتخبط البيت الأبيض في تعامله مع هذه الملفات، إلا أن المعترضين على سياسة الرئيس عجزوا أيضاً عن تقديم ما يزيد عن النقد وتسجيل المآخذ، وتقديم بعض التوصيات لتصحيح سياسة الرئيس غير المحسوبة.

 وبذلك يبدو وكأن الكل يلتقي عند التسليم بأن أزمات الشرق الأوسط صارت أشبه بالصداع النصفي المتعذر معالجته بوصفة جاهزة، ولا يتيسر أكثر من العمل على إدارتها بأقل الخسائر الأميركية. وخاصة بعد أن فاقمت عشوائية وباطنية تعاطي إدارة ترامب معها، من تعقيداتها واستعصائها.

الندوة الأولى تحدث فيها السناتور الديمقراطي كريس مورفي، الذي سلط الأضواء على عيوب سياسة ترامب الخارجية، التي "تخلت عن التحالفات" واستبعدت الكونغرس من دائرة حيثياتها وكأنها تتصرف "بسرية". وتوقف عند حرب اليمن التي كرر دعوته لوقفها، ووجوب اضطلاع واشنطن "بدور الوسيط" لإنهائها. وفي هذا السياق انتقد الإدارة التي "أعطت المبادرة للسعودية".

ويذكر أن مجلس النواب كان قد صوّت يوم الأربعاء على ثلاثة قرارات لمنع تزويد المملكة والإمارات بالصواريخ وغيرها من الأسلحة، اعتراضاً على حرب اليمن وحتى لا تبدو مثل هذه الصفقة وكأنها "مكافأة" على قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي.

ومن المتوقع أن تصوت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأسبوع المقبل على مشروعين مماثلين؛ واحد جمهوري "ناعم" بغرض تنفيس النقمة في المجلس ضد السعودية والثاني ديمقراطي متشدد، مع ترجيح مرور الأول بحكم وقوف الغالبية من الجمهوريين إلى جانبه تلبية لرغبة الرئيس. كما انتقد مورفي سياسة ترامب في سورية التي "أضعفت دورنا الدبلوماسي"، و"سحب الدبلوماسيين الأميركيين مؤخراً من العراق".

 كذلك استضافت ندوة سورية المبعوث الخاص السفير جيمس جيفري، الذي قلما بارح الغموض والعموميات وأحياناً التضارب في سرديته للدور الأميركي. وعلى ما يظهر، لأنه لا يوجد دور هادف. يقول إن واشنطن "تتعامل مع روسيا التي وعدتنا" بالمساعدة على تطبيق القرار 2254. لكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "لم يقرر بعد لأنه ماض في موقفه بدعم الأسد"، متوعداً "بممارسة المزيد من الضغوط على روسيا إن لم تقدم تنازلات "لا بد منها" لأنه لا حل عسكرياً في سورية".

واعترف جيفري بأن أجندة واشنطن "الواسعة تختلف مع أجندة تركيا". كل ذلك معروف ومتداول منذ فترة. لم يقدم أي جديد ولم يخرج عن الضبابية رغم مطاردته في الأسئلة.

ندوة إيران: الأكثر دسامة

ربما كانت ندوة إيران دسمة أكثر من غيرها. شاركت فيها وندي شيرمن، معاونة وزير الخارجية سابقاً وأحد أعضاء الفريق الأميركي، الذي فاوض حول الاتفاق النووي. كما شاركت فيها سيغال ماندلكر، مساعدة وزير المالية حالياً.

أهم ما جاء فيها أن "وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف - الموجود في نيويورك - بدأ التفاوض على ما يبدو"، حسب شيرمن المطلعة والقارئة الجيدة بحكم تجربتها، لمفردات الدبلوماسية الإيرانية التي صدرت عن الوزير ظريف في الأيام الأخيرة، وتلك التي صدرت أيضاً عن الإدارة. وخاصة ما راج حول موافقة الرئيس ترامب على قيام السناتور رون بول بعقد اجتماع مع ظريف.

وثمة همس بأنه قد التقى به أو يزمع على لقائه في نهاية هذا الأسبوع؛ بالرغم من وقوع خطوات تصعيدية في مياه الخليج خلال اليومين الأخيرين. فهناك شبه إجماع على مثل هذا الخيار "الذي لا مخرج بديل عنه إلا المواجهة التي لا يريدها الطرفان".

مع ذلك لا يلغي المرجحون لهذا التوجه، احتمال حصول تطور مفاجئ "يخرج عن السيطرة ويؤدي إلى صدام ولو كان غير مرغوب". ومن هنا أهمية كسر جليد الحوار بأقرب ما يكمن، حسب هذه التقديرات. وخاصة أنه مع أول أغسطس القادم يحين موعد استحقاق تنازل تقني، أقره الاتفاق لصالح إيران وعلى إدارة ترامب اتخاذ قرار بشأنه، كما قالت شيرمن. وربما عجّل ذلك من فتح بوابة التفاوض المرجح أن تنفتح، ولو أنه لا ضمانة لتطوير الفتحة. ناهيك بتعميمها في المنطقة.