"مكتبة باص" في هولندا

17 يناير 2017
ينتظره الأطفال دائماً (العربي الجديد)
+ الخط -
يلقى الأفراد في هولندا تشجيعاً على قراءة الكتب من جهات حكومية وأهلية عدة. من ذلك مثلاً، أنّ شركة القطارات ستعلن عن أيام سفر مجانية للركاب الذين يحملون كتاباً تحدده مسبقاً خلال تلك الأيام.

في هولندا نحو 600 مكتبة عامة. بعضها من أقدم وأكبر المكتبات في العالم، كالمكتبة الوطنية في لاهاي، ومكتبة جامعة "لايدن" العريقة. الأخيرة أدرجت وثائقها ومخطوطاتها على لائحة التراث العالمي، وتضمّ أكثر من خمسة ملايين ونصف مليون كتاب، ومئات آلاف الوثائق والمخطوطات والخرائط والرسومات الحصرية. هي مكتبة أنشئت عام 1575 عقب تحرير المدينة من الحكم الإسباني.

مع ذلك، فإنّ العدد الكبير من المكتبات، وانتشارها الجغرافي الواسع لا يبدو قادراً على تلبية شغف الهولنديين بالقراءة والكتب، وتعزيز العلاقة بين التلاميذ ما دون الثانية عشرة بعالم الكتب والقراءة والمعرفة. فهناك مناطق سكنية وأحياء صغيرة لا تتوفر فيها مكتبة قريبة. لذلك، ظهرت فكرة في جامعة "لايدن" لنقل المكتبة إلى القارئ، من خلال شبكة من الحافلات التي تتخذ من الشوارع والساحات السكنية وجوار المدارس مواقع لتقديم خدمتها، وتنظيم الأنشطة المعمولة عادة في المكتبات العامة والثابتة، كالقراءة التفاعلية مع الأطفال والأنشطة التعليمية.

ظهرت خلال السنوات الماضية أشكال وتصاميم مختلفة لما يعرف بـ"المكتبة الباص" بعضها يضمّ 7 آلاف كتاب تقريباً، مخصصة للأطفال دون الثانية عشرة. كذلك، تتسع لما بين 35 و40 طفلاً مع مساحة تبلغ 52 متراً مربعاً تقريباً. أما لحظة وصول المكتبة الباص إلى الحي أو التجمع السكني فتعامل كحدث، خصوصاً مع الحماسة التي يبديها الصغار. فالتصميم يسمح لهم بالجلوس في الجانب العلوي من الحافلة، لقراءة الكتب والقصص مجاناً، وهم يطلّون على الحي أو ساحة اللعب من هناك.



في تصاميم أخرى، فإنّ المرونة عامل أساسي، لاستغلال المكتبة المتنقلة في أنشطة اللعب والتعليم والمحاضرات والمعارض المتنقلة. المنظمات والجمعيات العاملة في هذا المجال، تتولى التنسيق الدائم مع المدارس والمؤسسات التعليمية المتعددة، لتتكامل الخطط التعليمية والثقافية المخصصة لهذه الفئة العمرية الفتية، حتى مع وجود استقلالية نسبية في عمل وتوجهات هذه المنظمات والبلديات ومكتباتها العمومية المركزية.



إلى جانب الكتب، توفر مكتبات الباص أجهزة كومبيوتر وبرامج تعليمية متطورة ومخصصة لهذه الغاية. كذلك، توفر بعض الألعاب والتطبيقات المخصصة للتلاميذ أو مدرّسيهم وأهاليهم. وفي بعضها الآخر خدمات أخرى كشحن بطاقة المواصلات وإرسال البريد، أو خدمات مصرفية لبعض البنوك الراعية والمساهمة في تمويل مشاريع كهذه.
ووفق برنامج يحدد سلفاً تتنقل تلك المكتبات من شارع إلى آخر، فتغطي أكبر مساحة جغرافية، وتقدم الكتاب إلى أكبر عدد من القراء.

فكرة المكتبة المتحركة قديمة، لكنها تأخذ اليوم أشكالاً أكثر عصرية، إن في التكنولوجيا المستخدمة في بناء الحافلات أو تحديد مساراتها ووجهتها باستخدام الأقمار الصناعية، بالإضافة إلى قراءة الكتب والصحف اليومية وإعارتها والاستنساخ والولوج إلى مواقع منظمات ومؤسسات حكومية وغير حكومية هولندية.
تقدم مكتبات متنقلة أخرى خدماتها للبالغين وكبار السن، إن كان في الأرياف والتجمعات السكنية المنعزلة، أو داخل المدن وساحاتها وحدائقها.

كذلك، تقدم المكتبات المتنقلة بجميع أشكالها خدمة الإنترنت المجاني، لمن يدخلون إليها، أو حتى من يبقون في جوار الحافلة. وهو إنترنت سريع الاتصال يفوق ما يصل إلى البيوت والهواتف والشركات جودة وسرعة. وبالتالي، قد يستغل الأهل وقت القراءة المخصص لابنهم داخل الحافلة بتصفح الإنترنت من كرسي في الحديقة المجاورة، أو من خلف زجاج نافذة المنزل أو المقهى.

عن هذه الفكرة، أشار مدير مكتبة جامعة "لايدن" بيتر دويفستن عقب إطلاق أول مكتبة باص متنقلة إلى أنّها قادرة على توفير خدمة الإنترنت بتقنية "واي فاي" وتضم خدمات ومعلومات المكتبة المركزية العريقة التي يرأسها. من ذلك مليون كتاب إلكتروني وصحف يومية ورقية صادرة في هولندا ومختلف عواصم العالم.
وقد جاءت المبادرة الأخيرة من مجموعة ثقافية ومدنية محلية في لايدن تلقفتها إدارة المكتبة الجامعية وباتت جزءاً من خدماتها العامة، ويجري العمل على تعميمها من أجل شمول كامل مناطق المقاطعتين الأكثر كثافة سكانية في هولندا، أي جنوب وشمال البلاد.

دلالات