"مقدمة مختصرة في الشعبوية": الصراع على إرادة الناس

23 ابريل 2020
("الشعبوية السياسية"، عمل جماعي في "متحف الفن المعاصر" بفيينا)
+ الخط -

بالتوازي مع صعود رموز جديدة لها، أخذت الشعبوية - كظاهرة وكمفهوم - مساحة موسّعة في تنظيرات الباحثين في علوم السياسة والاجتماع والنفس في محاولة لفهم تلك "الإرادة الحقة" التي يدّعيها الشعبويون حول العالم في تمثيلهم للشعب، واعتبار اتباعهم مسألة بديهية.

أضاء الباحثان كاس مودّه وكريستوبل روفيرا كالتواسر على تاريخ هذه الظاهرة وتطوّرها في كتابهما المنشور عام 2017، والذي صدرت نسخته العربية حديثاً عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" تحت عنوان "مقدمة مختصرة في الشعبوية" بترجمة سعيد ومحمد بكار.

يقدّم الكتاب مسحاً شاملاً للعديد من الحركات السياسية في العصر الحديث، بدءاً من الأحزاب اليمينية في أوروبا، ومروراً بـ "حركة الشاي" التي تشكّلت كتيار سياسي اقتصادي محافظ ضمن الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة عام 2009، وليس انتهاء بنماذج من الرؤساء اليساريين في بلدان أميركا اللاتينية.

جملة تساؤلات أساسية يطرحها المؤلّفان، من أبرزها: ما هي الشعبوية حقاً؟ ومن هم القادة الشعبويون؟ وما هي العلاقة بين الشعبوية والديمقراطية؟ ويسعيان في إجابتها إلى الموازاة بين البعد النظري الذي يستقصي التأثيرات الملتبسة للشعبوية على الحياة السياسية والاجتماعية اليوم، وبين ممارستها التي أفرزت اتجاهات وأشكالاً متنوّعة، فلم يعد القائد "الذكوري" محتكراً لتلك "الإرادة الشعبية" كما مثّله الزعيم الأرجنتيني خوان بيرون، مع بروز شخصيات نسائية شعبوية مثل الأسترالية بولين هانسون والفرنسية مارين لوبين.

ويرى المؤلّفان أن الشعبوية تمثّل أيديولوجية "هشّة" قد تكون مفيدة للمسار الديمقراطي في بلد ما ومضرّة له على حدّ سواء، بالعودة إلى أركان خطابها الثلاثة المبنية على استنهاض الناس من أجل إنقاذهم، وإدانتها للنخبة، وأن السياسة يجب أن تعبّر عن إرادة المواطنين وليس عن مصالحهم، وهي مقولات تظلّ غامضة حيث لا يوجد وصفة جاهزة لتنظيم المجتمع.

يتنازع الشعبوية اتجاهان رئيسان، بحسب الكتاب، تعبّر عنهما التيارات اليمينية في أوروبا ذات الخلفيات القومية المتشدّدة مثل يورغ هايدر في النمسا، إلى جوار الزعماء اليساريين في أميركا اللاتينية كهوغو تشافيز وإيفو موراليس، حيث يفترق الطرفان في أيديولوجيتهما حدّ التضاد، لكن خطابهما يحمل تشابهاً في نواحٍ عدّة.

ويعتقد مودّه وكالتواسر أن أبرز العوامل التي قادت إلى صعود هذه النزعة المتطرّفة حول العالم تعود إلى فساد النخب الحاكمة وإخفاقاتها في تحقيق برامجها السياسية، ولا يغفلان أيضاً الحضور السلبي لوسائل الإعلام التي غذّت الروايات الشعبوية في قضايا تتعلّق بالجريمة واللاجئين وغيرهما.

لم يركّز الكتاب على الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشكل كبير، حيث دُرست ظاهرته كنتيجة لدعم "حركة الشاي" له في الانتخابات الرئاسية عام 2016، لكن التحليل الأبرز لها أتى في السياق الأوسع للفكر الشعبوي، كمحصلّة لتغيرات اقتصادية واجتماعية وسياسية أصابت الولايات المتحدة الأميركية في العقدين الأخيرين، من دون إيلاء أهمية لخطابه وسياساته.

من جهة أخرى، يقارب المؤلّفان الحركات الشعبوية بوصفها تحدياً متنامياً تواجهه الديمقراطية، من خلال استعراض العواقب التي قد تنجم عن هذا التحدّي على المدى الطويل، ومقارنة الاتجاهات السياسية في مختلف البلدان، والتأثير المذهل للشعبوية في الحياة السياسية والاجتماعية المعاصرة في أوروبا وأميركا اللاتينية والولايات المتحدة.

المساهمون