عمليات الخطف داخل مطار بغداد الدولي أنست العراقيين ظاهرة سرقة محتويات وأغراض من حقائبهم بعد وصولهم إلى المطار، كما أرخت الستار على حكاية البوابة "C4" المخصصة لعبور مسلحي المليشيات إلى سورية أو استقبالهم، وكذلك أفراد الحرس الثوري، الذين لا يتم تفتيشهم أو تفتيش حقائبهم ذهاباً وإياباً. كما أزالت حالات الاختطاف تلك علامات الاستفهام عن سبب تواجد أفراد معدودين من "حزب الله" اللبناني بلحى كثة وعضلات مفتولة، ويمكن تمييزهم بسهولة، من خلال حرصهم على ارتداء القمصان السوداء الضيقة، وهم ينتشرون في أروقة المطار بلا صفة رسمية تخولهم ذلك. مكان اختطاف الضحايا داخل المطار يثير لوحده الكثير من المخاوف. فختم جوازات سفرهم من قبل ضابط الأمن بعد تسلمهم بطاقات الصعود إلى الطائرة وتسلم حقائبهم يعني أن الجهات المتورطة بالعملية نافذة للغاية. فالجزء الذي يتم فيه الاختطاف لا يبقى خلفه سوى الصعود إلى الطائرة، وهو أكثر الأماكن حساسية داخل أي مطار في العالم، كما أن الضحية يعتبر فعلياً غادر البلاد.
وحصلت "العربي الجديد" على إفادات لموظفين داخل مطار بغداد الدولي، بينهم مراقب جوي وضابط وعامل عراقي في شركة أمن بريطانية داخل المطار، تؤكد تحول المطار إلى معقل تابع للمليشيات الموالية لإيران، تتم خلاله عمليات ذات طابع استخباري وأخرى تتعلق بفساد إداري ومالي مختلفة. وقال ضابط برتبة مقدم في المطار، لـ"العربي الجديد"، إن "مليشيات بدر وحزب الله العراقي والعصائب تسيطر على غالبية مفاصل المطار، ويمكن وصف هذه المرحلة بالطور الثاني للمطار، إذ كان الصدريون (أتباع مقتدى الصدر) يسيطرون عليه خلال فترة تسلم القيادي في التيار، سلام المالكي، الوزارة في حكومة نوري المالكي الأولى". ويضيف الضابط، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه لحساسية المعلومات، "تأخرتم كثيراً بتسليط الضوء على ما يجري في مطار بغداد، فمنذ الأشهر الأولى للثورة السورية تحول من منشأة مدنية إلى مليشياوية". ويتابع "ما إن يختم الضحية المراد اعتقاله أو تصفيته جوازه، ويعد مغادراً للأراضي العراقية، يتم اختطافه في المسافة المحصورة بين كابينة ختم الجوازات وبوابة الطائرة. وهناك حالات يختطف فيها بعد خروجه من المطار، في المسافة المحصورة بين بوابة المطار وساحة عباس ابن فرناس". ويوضح أن "الضحايا مهمون بكل تأكيد، لكن هوياتهم مختلفة، ويمكن القول إنهم رجال أعمال وضباط في الجيش العراقي السابق أو رجال دين، وأخيراً ناشط إعلامي له صفحات على فيسبوك اختفى بعد ختم جوازه وتوجهه للطائرة، وجاء والده يسأل عنه فتم طرده". وحول الجهة التي تقف وراء ظاهرة الاختطاف تلك، يقول إن "فصائل مسلحة تابعة لإيران تسيطر على المطار، وفي العادة تعرف هذه الجهات كيف تديره، ولا يمكن الاصطدام بها على الإطلاق".
ويضيف المصدر أن "سيد راضي هذا يمكن وصفه بأنه منسق المصالح الإيرانية وأخرى تابعة لحزب الله اللبناني، مثل تمرير المسلحين إلى البوابة C4 الخاصة بعبورهم إلى سورية من دون تفتيش، واستقبال جثث من يقتل هناك، وتمرير حقائب ومواد مختلفة من دون أن تخضع للتفتيش، ولا نعرف ماذا تحوي". ويتابع "الاختطاف من داخل المطار كان عبارة عن حالات فردية في السابق، وهي تحدث مرة أو مرتين كل شهر وقد لا تحدث، لكن الآن تحولت إلى ظاهرة". ولا يتوقف الأمر عند الاختطاف داخل المطار أو تمرير المسلحين والحقائب من دون تفتيش إلى سورية، إنما تعدى الأمر إلى ظاهرة سرقة حقائب المسافرين الذين يصلون إلى المطار قادمين من دول عدة. ومسرح عملية السرقة يكون بين إنزال الحقائب من الطائرة وقبل وضعها على الحزام الناقل. وتتفاوت بين سرقة محتويات معينة من تلك الحقائب، أو سرقتها بشكل كامل. وسجلت عشرات الحالات منذ مطلع العام الحالي، ما دفع ببعض البعثات الدبلوماسية في العراق إلى اعتماد مطار أربيل الدولي كونه أكثر أمناً من هذه الناحية.
تاجر وضابط ورجل دين بين الضحايا
وخلال الشهر الماضي، اختطف كل من العميد الركن في الجيش العراقي السابق، وليد هليل، داخل المطار بعد وصوله آتياً من الأردن لحضور حفل زفاف ولده، أعقبه اختفاء رجل الأعمال، موفق العبيدي، ومن ثم رجل الدين، الشيخ علي عبد الحسين. ويقول نجل رجل الأعمال، موقف العبيدي، وهو واحد من تجار الجملة البارزين في توريد أحد المنتجات التي تصدرها إحدى دول الخليج إلى العراق، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، "لا توجد أي معلومات عن والدي، ونحن نتواصل مع مليشيات مختلفة من خلال وسطاء، فقوات الأمن لا تحل ولا تربط أي شيء" على حد تعبيره. ويضيف "هناك من يقول لنا إنه خرج من المطار واختفى عند وقوفه قرب سيارات الجي أم سي المخصصة لنقل المسافرين القادمين إلى ساحة عباس بن فرناس. وهناك من يقول إنه اختفى داخل المطار، ولا نعرف مصيره حتى الآن. كما أننا لم نتلق أي اتصال هاتفي من الجهة الخاطفة حتى الآن". ويتابع "لن أناشدهم باسم أي دين أو مقدس سوى أني أناشدهم باسم الإنسانية، وأقول لهم والدي مريض، ولديه سكري وضغط وعمره تجاوز الستين عاماً، وإذا رغبوا سنترك العراق ونترك كل شيء، لكن فقط أتركوه ولا تقتلوه".
سيارات "الجمسي"
عند بوابة الخروج من المطار وحتى الوصول إلى ساحة عباس ابن فرناس، حيث مكان استقبال المسافرين القادمين، تأتي الحلقة الأخرى من ثقب مطار بغداد الدولي. فسيارات "الجمسي"، وهو الاسم الذي يطلق على الـ"GMC" الكبيرة المخصصة لنقل المسافرين، لوحدها حكاية، إذ تقف عند بوابات الخروج من المطار، وتقوم بإيصال المسافرين القادمين إلى ساحة عباس بن فرناس، الواقعة على بعد ثلاثة كيلومترات من بوابة المطار، وهو إجراء أمني اتخذ بعد الاحتلال لمنع وصول الانتحاريين بسياراتهم إلى مبنى المطار. 81 سيارة "جمسي" تعمل على هذا الخط الناقل من وإلى المطار، وبأجر يبلغ 25 ألف دينار (نحو 18 دولاراً). ويمكن القول إنه لا مجال لأحد أن يعمل على هذا الخط الناقل إلا إذا كان من أفراد المليشيات، فعملية صيد الضحية المستهدفة إن لم تتم داخل المطار، فإنها تتم خارجه، من خلال سائقي تلك السيارات، الذين يبلغون ما تسمى بالمفارز، التي تتواجد على طريق المطار عند مفترق حي العامرية والحسين، لتتولى اللازم وتكمل المهمة مع الضحية.
خرافة تفتيش الطائرات الإيرانية
في مطلع إبريل/ نيسان 2013، أعلن السفير العراقي في واشنطن، لقمان الفيلي، أن العراق باشر بعملية تفتيش الطائرات الإيرانية التي تعبر الأجواء العراقية خلال توجهها إلى سورية، والتأكد من أنها لا تحمل أي أسلحة، تماشياً مع القرارات الدولية ومطالبة البيت الأبيض بذلك، إذ تشتبه واشنطن بأنها تحمل أسلحة. وهو الإجراء الذي بدا مرحباً به من المجتمع الدولي، واستمر لنحو عام كامل، عبر إعلانات وبيانات رسمية تصدر عن سلطة الطيران المدني والحكومة العراقية عن تفتيش طائرات إيرانية، تؤكد في النهاية أنها تحمل مساعدات غذائية للشعب السوري الشقيق، كما حرص البيان على وصف السوريين في كل مرة. غير أن الحقيقة غير ذلك مطلقاً، فالطائرات الإيرانية التي تم تفتيشها، وجلب وسائل إعلام ومراقبين كشهود على العملية، لم تكن سوى مسرحية عراقية إيرانية. غير أن تسريباً من أحد أعضاء البرلمان يكشف جزءاً من تلك العملية، إذ يؤكد، لـ"العربي الجديد"، أن طائرة شحن إيرانية تابعة لشركة "مهان إير" رضخت لطلب السلطات الجوية العراقية بالهبوط في المطار، وتم إخضاعها للتفتيش اليدوي، في الوقت الذي كانت فيه ثلاث طائرات إيرانية، من طراز "إيرباص"، تعبر الأجواء العراقية إلى سورية. ويقول "تم اختيار الطائرة النظيفة فعلاً من السلاح والمواد العسكرية الأخرى، بينما سمح لغيرها بالعبور". ويتابع "نحن على مستوى أعضاء عاديين في البرلمان عرفنا بذلك بعد أيام قليلة. ومن المستحيل أن واشنطن لم تعرف هذه اللعبة التي تكررت كثيراً. لكن السؤال لماذا تسكت عن المسرحية الإيرانية داخل العراق"؟ وفقا لقوله.
فضيحة جواز سفر هولاند
وفي مطلع سبتمبر/أيلول 2014، دوت فضيحة داخل بغداد، بعد قيام موظف الجوازات بالتقاط صور لجواز الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، خلال زيارته بغداد. وانتشرت الصور حينها على مواقع التواصل الاجتماعي، وأعلنت الحكومة فتح تحقيق في الحادث، وتوعدت باعتقال ومحاسبة المسؤول عما وصفته بانتهاك القانون والأخلاق والسياقات المتبعة مع رؤساء الدول الضيوف. ولم تعلق باريس حينها على الحادث رغم نشر بيانات شخصية للرئيس الفرنسي. إلا أن خيوطاً من الحادثة تكشفت بعد نحو ثلاث سنوات، إذ يؤكد برلماني عراقي، لـ"العربي الجديد"، أن "الموظف المسؤول عن حادثة التقاط صور لجواز سفر الرئيس الفرنسي ليس إلا أحد أعضاء مليشيا حزب الله العراقية، ولم يصور الجواز الخاص بالرئيس فقط، بل جوازات سفر 13 مرافقاً ومسؤولاً كانوا برفقته، مع سمة الدخول الصادرة عن مجلس الوزراء العراقي، لكن لم تنشر، وهو ما يجعلنا نستبعد أن يكون الحادث عفوياً".