أم لثلاث بنات، أكبرهن حفصة التي تبلغ من العمر ست سنوات ومصابة باعوجاج في العمود الفقري، يجعلها غير قادرة على الحركة الطبيعية ويعطل نموها، وأصغر بناتها سلمى تبلغ الآن من العمر عاماً واحداً.
أم حفصة زوجة شهيد من شهداء رابعة، استُشهد ولم تكمل ابنته الوليدة الشهرين.
تسكن على أطراف القاهرة، في منطقة عشوائية تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة الإنسانية، وهي سيدة منزل، لم يترك لها زوجها إرثاً أو مالًا يكفي قوت يومها، ولأنه كان يعمل سائقاً فإن حياة العائلة تميل إلى البساطة في كل شيء، بل تكاد تكون أقرب إلى العدم.
تحكي أم حفصة عن زوجها، فتقول: "تلقى رصاصة يوم فض اعتصام رابعة، وظل في المستشفى لمدة شهر في شبه غيبوبة، إلى أن استُشهد".
تحاول أن تمنع دموعها من الانهمار وتواصل حديثها: "وجدت نفسي فجأة في مهب الريح، وصرت في دوامة، لكني تماسكت، وكنت واثقة أن الله لا يمكن أن يخذلني". تتابع: "بعد تفكير عميق فضلت ألا أنتظر ما يجود به أهل الخير، وقررت أن أعتمد على نفسي، وأن أربّي بناتي بنفسي وبمالي وألا أشعرهن في أي يوم من الأيام بالنقص أو بالحاجة".
استغلت أم حفصة موهبتها ومهارتها في الطهي وأطلقت بمساعدة أصدقائها صفحة على موقع "فيسبوك" للإعلان عن هذه المهارة، وأسمتها "مطبخ حفصة". لم تكن تتخيّل أبدًا أن يكون الإقبال على الصفحة بالشكل الذي حدث. ففي خلال أسبوعين أصبح للصفحة أكثر من 60 ألف معجب، وتهافتت اتصالات الطلبيات عليها من كل مناطق القاهرة. بل إنها فوجئت باتصالات من خارج القاهرة، أيضاً.
تقول أم حفصة: "أحيانًا لا أستطيع أن ألبّي جميع الطلبات وحدي، فأضطر لطلب المساعدة من أختي، وفي أحيان أخرى نعجز كلانا عن تلبيتها".
أم حفصة التي تبلغ من العمر سبعة وعشرين عاماً، لا تريد من الدنيا إلا أن تربي بناتها وأن تعيش مستورة لا تحتاج لأحد، فقد طوت حزنها في قلبها كي تستطيع أن تستكمل المسيرة وتربي بناتها كما تمنّت هي وزوجها يوماً.
بنبرة تجمع بين الألم والأمل تقول: "حزينة على فراقه إلى أقصى درجة، وحتى الآن لا أستطيع استيعاب أمر وفاته. عندما يأتي مساء كل ليلة ويعمّ السكون والهدوء أظل أبكي وحدي على فراقه، ولكني فرحة بشهادته وبطولته لأنه كان مقبلًا على الشهادة، فقد تمناها ووجدها".