باتت لدغات العقارب تمثّل رعباً لأهالي صعيد مصر، نظراً إلى اختفاء المصل الخاص بها في كل الوحدات الصحية، لا سيّما تلك الموجودة بالقرى والقريبة من المناطق الجبلية. فتلك العقارب تزحف ليلاً إلى القرى ولم يسلم كثيرون من لدغاتها. ويعمد الأهالي أحياناً إلى اصطيادها بواسطة "سيخ حديد"، في حين يرفضون إطفاء الأنوار ليلاً خوفاً من عدم اكتشافها.
وتعاني مستشفيات المدن في الصعيد، من نقص كبير في مصل العقارب الذي يمثّل واحداً من أهمّ أنواع الأمصال على الإطلاق بالنسبة إلى أبناء الصعيد عموماً، وذلك بسبب تزايد أعداد العقارب خصوصاً في فصل الصيف، نتيجة الطبيعة الجبلية التي تُحكم قبضتها على الأراضي. يُذكر أنّ ثمّة زواحف كثيرة من قبيل الثعابين والعقارب، وقد تعددت حالات الوفيات بسبب لدغات العقارب بين الأطفال. إلى ذلك، تُسجَّل عشرات حالات الوفاة في الصعيد بسبب لدغات العقارب، نتيجة بحث أهالي المصاب عن مستشفى تتوفّر لديه الأمصال المطلوبة. فرحلة البحث تستغرق وقتاً طويلاً، في حين أنّ المصاب يكون محتاجاً إلى تدخل طبي سريع وحقنه بالمصل المضاد لسمّ العقرب. وفي النهاية، يؤدي فشل عملية البحث إلى وفاة المصاب.
ويؤكد مسؤول طبي في مستشفى بالصعيد أنّ "المستشفيات تحتاج إلى نحو ألف مصل يومياً في المتوسط من أجل إنقاذ مَن يتعرّض للدغ، في حين أنّ ما يتوفّر الآن في المستشفيات كلها لا ينقذ مصاباً واحداً. ويشير المسؤول الذي فضّل عدم الكشف عن هويته، لـ"العربي الجديد"، إلى أنّه "قبل أيام قليلة وصل إلى مستشفى الأقصر العام بصعيد مصر طفل مصاب بلدغة عقرب. لكنّ الطبيب لم يتمكّن من إعطاء الطفل كمية المصل اللازمة التي تنقذ حياته، الأمر الذي أدّى إلى وفاته". ويشدد على أنّها "ليست حالة الوفاة الوحيدة من جرّاء عدم توفّر أمصال للدغات العقارب، فثمّة حالات مماثلة بالعشرات شهرياً"، موضحاً أنّ "المصاب بلدغة عقرب قد يحتاج إلى أكثر من خمسة أمصال من أجل إنقاذ حياته". يضيف أنّ "المصاب بلدغ العقرب لا بدّ من أن يحصل على الكمية اللازمة التي تحارب كميّة السمّ التي دخلت إلى جسده، وإلا سوف يتعرّض إلى فشل حاد في الرئتَين وعدم انتظام في ضربات القلب، وفي النهاية يتوفى".
ويطالب المسؤول نفسه "وزارة الصحة بتوفير كميات كبيرة من مصل العقرب، خصوصاً أنّ تكلفته زهيدة بالمقارنة مع أيّ دواء أو مصل آخر، أو السماح ببيعها في الصيدليات حتى يتمكّن ذوو المصاب من شرائها وقت الخطر". ويتابع أنّ "القرى هي المناطق الأساسية حيث تُسجَّل لدغات عقارب بالصعيد. ونظراً إلى بُعد القرى عن المدن، خصوصاً الصحراوية منها، وانعدام مصل العقارب فيها، فإنّ المصاب وعند وصوله إلى مستشفى بالمدينة يكون سمّ العقرب قد استشرى في جسمه، وهو ما يؤدّي في النهاية إلى وفاته".
في السياق، شنّ عدد من أعضاء مجلس النواب عن محافظات الصعيد، هجوماً على وزارة الصحة في بيانات عاجلة على خلفية عدم إمداد محافظات الصعيد بمصل العقرب، خصوصاً محافظات سوهاج وقنا والأقصر وأسوان. فكلّ المستشفيات والوحدات الصحية هناك يعانون بحسب ما يؤكدون من ذلك، وقد أدّى النقص إلى وفات العشرات خصوصاً في الصيف. ويؤكد عضو مجلس النواب عن محافظة الأقصر أحمد فرشوطي أنّ "ثمّة أزمة كبيرة تواجه الصعيد بسبب نقص مصل العقرب، خصوصاً مع ارتفاع درجات الحرارة ودخول فصل الصيف وبدء العقارب بالخروج إلى الشارع بشكل كبير ومهاجمة المواطنين". يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ ثمّة وفيات نتيجة نقص هذا المصل في كل المستشفيات وكذلك في الوحدات الصحية، مطالباً "وزارة الصحة بإمداد مستشفيات الصعيد بهذا المصل لإنقاذ أرواح المواطنين".
من جهته، يرى أحمد طنطاوي شيخ إحدى العائلات في قرى محافظة الأقصر، أنّ "انتشار العقارب كارثة في الصعيد، وإن كانت حدّتها قد تراجعت عن سبعينيات القرن الماضي وثمانينياته، بسبب النظافة وتشييد المباني السكنية من الحديد المسلح بدلاً من الطوب، إذ إنّ العقارب تعيش في شقوق تلك الجدران". ويشير طنطاوي لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "عدم توفّر أمصال العقرب في الوحدات الصحية بالقرى، يزعج الأهالي ويؤدّي إلى مشادات ومناوشات بين الأهالي والأطباء هناك. والأخيرون بمعظمهم هم أطباء امتياز وغرباء من وجه بحري". يضيف أنّ "حالات كثيرة توفيت في الطريق، من بينهم أطفال ومرضى سكري أو ضغط لا يتحمّلون لدغة العقرب".
ويتحدّث طنطاوي عن "بعض الإجراءات البدائية التي يلجأ إليها ذوو مصاب بلدغة عقرب لعلاجه، مثل الاتجاه إلى الحاوي (صياد العقارب والثعابين) وإن كان عدد أمثاله قد قلّ جداً، أو يعمدون إلى تشريط (تشطيب) موضع لدغة العقرب بالموس بحجّة سحب دم العقرب، وذلك بعد أن يفقد الجميع الأمل في الحصول على العلاج اللازم. كذلك، ثمّة إجراء آخر يقضي بربط موضع اللدغة بشاش أو أيّ شيء شبيه بحجة عدم سريان سمّ العقرب في الجسم، إلى حين الوصول إلى المستشفى. وهذا الإجراء ما زال يستخدم اليوم بكثرة".
ويشدد طنطاوي على أنّ "النقص في مصل العقارب يؤكد ضياع حقوق أهل الصعيد، حتى حقوقهم الصحية"، مضيفاً أنّ "ثمّة مزارعين يواجهون العقارب في زرعهم". ويتابع أنّه "مع النقص الكبير في تلك الأمصال في كل المستشفيات، صرنا في خطر حقيقي ورعب كبير، لأنّنا نتعامل مع العقارب في أماكن الزرع وفي الشوارع وفي البيوت. فهي تنتشر في الصيف بشدة".