"مسيرة السلام" تظهر انقسام المجتمع الروسي

موسكو

أوليغ إيغوروف

avata
أوليغ إيغوروف
23 سبتمبر 2014
49204268-7583-48C4-B128-77A4F5C40C30
+ الخط -

خونة! أنتم تتظاهرون لدعم من يقتلون الأطفال في دونيتسك! يصرخ رجل طويل في بزة عسكرية مموهة، وفوق رأسه يرفرف علم جمهورية دونيتسك الشعبية غير المعترف بها.

لقد غسلوا أدمغتكم! من يقتل الأطفال في دونيتسك هو فلاديمير بوتين! تجيبه امرأة تقف تحت العلم الأوكراني، وعلى سترتها شعار كتب عليه "روسيا وأوكرانيا معاً ضد الحرب".

يقف المتجادلون عند قاعدة النصب التذكاري لبوشكين، ففي هذا المكان سيتجمع المشاركون في "مسيرة السلام" ليبدأوا السير عبر شارع "ستراستنيي بولفار" في وسط مدينة موسكو.

الموقف الرسمي لمنظمي المسيرة هو أن أوكرانيا دولة مستقلة، وروسيا انتهكت ولا تزال تنتهك سلامة أراضيها، بدعمها للمتمردين في دونباس الذين يصفهم المشاركون في المسيرة بـ"الإرهابيين" و"اﻻنفصاليين"، وأن موسكو يجب أن توقف فوراً سياستها العدوانية.

ولا يتفق "الوطنيون" الذين يدعمون مقاومة إقليم "دونباس"، مع هذا الرأي، ويتهمون السلطات الأوكرانية بشنّ حرب على شعبها، وقد قرر "الوطنيون" الذهاب إلى "مسيرة الخونة" ليقولوا لمؤيدي أوكرانيا رأيهم فيهم.

الرموز الأوكرانية هنا، كثيرة: فالرايات ذات اللونين الأصفر والأزرق ترفرف في كل مكان، وهناك كثيرون من الناس يرتدون الزي الوطني الأوكراني. تهتف الصفوف التي انتظمت استعداداً لبدء المسيرة: "المجد لأوكرانيا! المجد للأبطال!" (وهو الهتاف التقليدي للوطنيين الأوكرانيين).

وعلى لافتاتهم تقرأ نداءات إلى بوتين لوقف الحرب، من الواضح أن المجتمعين لا يحبون بوتين، فهو بنظرهم المذنب الرئيس في حرب الأشقاء مع هذه الدولة الجارة. وتتعالى من الحشد هتافات "السلام لأوكرانيا، الحرية لروسيا! لا للحرب! الروس ضد الحرب مع أوكرانيا!"

كان الحشد كبيراً بالفعل، واختلفت التقديرات حول عدد المشاركين في المسيرة، لكن معظم الصحافيين يتفقون على أن عدد الحضور لا يقل عن عشرين ألف شخص، بينهم ما يكفي من الناس البسطاء غير المهتمين بالسياسة والذين خرجوا لمجرد التعبير عن رفضهم للحرب، وكذلك من ممثلي القوى السياسية.

وفي الدرجة الأولى، كثير من الليبراليين مثل حزب "يابلوكو"، حزب "روسيا الجمهوري" حزب "الحرية الشعبية" (بارناس)، وحزب "الخيار الديمقراطي"، وغيرهم بالإضافة إلى القوميين الروس.

ومع أن كل حزب تجمع في صف خاص به، كانت الشعارات مشتركة، وكان الهواء يرتجف عندما كان عشرات الآلاف من الناس يهتفون بصوت واحد "لا للحرب! لا للحرب!".

أحد صفوف المتظاهرين كان يحمل لافتات عليها صور لعشرات الجنود الروس، وقد كتب عليها "فلان قُتل في أوكرانيا". تقول وسائل الإعلام الرسمية إن هؤلاء الجنود ذهبوا إلى دونباس متطوعين بمحض إرادتهم، لكن المشاركين في المسيرة واثقون من أن الجنود تلقوا أوامر بالذهاب للقتال هناك.

منذ البداية، قامت الشرطة بإبعاد النشطاء الوطنيين إلى خلف حواجز حديدية لتجنب اﻻستفزازات، ولكن أثناء مرور الموكب في الشارع الدائري "بولفارنويه كالتسو" الملتف حول مركز موسكو، كان بعض الناس الذين يحملون أعلام جمهورية دونيتسك الشعبية وأعلام جمهورية "نوفوروسيا" (روسيا الجديدة) يهتفون من خلف الحواجز واصفين المسيرة بمسيرة الخونة.

ويجيب الشباب الذين كانوا يسيرون بجانبي، تحت شرائط بلون العلم الأوكراني: "لقد دفعوا لهم"، ولكنني لا أظن ذلك. فكراهية الوطنيين للمسيرة المعارضة (وهو شعور متبادل على أي حال) يبدو حقيقياً ودون تصنع.

فهم يحبون بلدهم، ويعتبرون أن إقليم الدونباس روسي وأن السلطة في كييف سلطة جلادين يمارسون عقاباً جماعياً بحق الشعب، ولا يعجبهم أن يروا أناساً يتظاهرون تحت أعلام السلطة الأوكرانية في العاصمة الروسية.

المفارقة، هي أن المعارضين أيضاً، يحبون بلدهم ويتمنون له السلام، لكن هؤلاء المحبين لروسيا ليس في مقدورهم التفاهم في ما بينهم. كل الحالات التي شهدتها عندما كان المتظاهرون ومعارضوهم يدخلون في جدال (تفصل في ما بينهم الحواجز الحديدية أو سلسلة بشرية من رجال الشرطة) كانت تنتهي بتوجيه الإهانات المتبادلة. ولولا وجود الشرطة، لتعارك "الوطنيون" مع "الخونة والفاشيين"، ولتعارك "الليبراليون" مع "الإمَّعة المُغَيَّبين".

ومع ذلك، وبغض النظر عن بعض الانفعالات العدوانية، واصلت المسيرة طريقها بسلام وفي جو من البهجة. فعلى صوت قرع الطبول كانت الصفوف تسير بخطى منتظمة والناس يبتسمون وتصدح الأغاني التي تُمَجِّد السلام.

وفي مكان ما وسط الحشد يركض أطفال أتوا مع آبائهم المهتمين بمصير البلاد، وإلى جانب الأطفال سار متقاعدون وطلاب وأشخاص متوسطو العمر، يبدو لي أن هؤلاء الناس أتوا للمشاركة في المسيرة المناهضة للحرب بحثاً عن الاحساس بأنهم غير وحيدين في اعتراضهم على سياسة السلطات الروسية.

وبالفعل، استناداً إلى العدد الكبير من الناس الذين خرجوا في مسيرة السلام، يمكننا القول إن هناك ما يكفي من المعارضين لسياسة بوتين الخارجية، على الأقل في موسكو، لأن أعداد المشاركين في مثل هذه الفعاليات في العديد من المدن الروسية الكبيرة الأخرى لم تتجاوز بضع مئات أو حتى بضع عشرات من الأشخاص.

تنتهي المسيرة عند ساحة ساخاروف، ويبدأ الناس بالتفرق على غير عجلة من أمرهم، ويلقي السياسيون كلمات مُلهمة أمام أنصارهم. فقد سمعت سيرغي ميرونوف وغريغوري يافلينسكي وهما من زعماء حزب "يابلوكو" الليبرالي، يتحدثان عن أهمية مثل هذه الفعاليات المدنية للتعبير عن الرأي، "لقد خرجنا ومن المؤكد أنهم سيستمعون إلينا". سبق لي أن حضور اجتماعات جماهيرية للمعارضة، وأعرف أن المعارضين الروس يقولون مثل هذا الكلام بعد كل مناسبة، هذا شبيه بمراعاة قواعد الإتيكيت.

يتوجه المتظاهرون إلى مترو الأنفاق، حيث تجمع "الوطنيون" عند مدخله، وهم يشتمون "الخونة" ويلقون عند أقدامهم دولارات مزيفة تعبيراً عن اتهامهم بالعمالة وبأن المعارضة تعمل لمصلحة الغرب مقابل المال، يتجاهل المشاركون في المسيرة هذا اﻻستفزاز باحتقار ويمضون في سبيلهم.

وتجول في رأسي فكرة تدعو إلى الأسى: ما من شيء لدى الروس الداعمين لأوكرانيا ليقولوه لأخوتهم الروس المؤيدين لإقليم دونباس المستقل.

ذات صلة

الصورة
تنظيم داعش/فرنسا

سياسة

رفعت فرنسا، أول من أمس الأحد، مستوى التأهب الأمني إلى الدرجة القصوى، وذلك في أعقاب هجوم موسكو الدموي الذي تبناه تنظيم "داعش"، مستعيدة تهديدات عدة للتنظيم.
الصورة

سياسة

قُتل 40 شخصاً على الأقل، وجُرح العشرات، في إطلاق نار أعقبه اندلاع حريق، مساء اليوم الجمعة، في صالة للحفلات الموسيقية في ضاحية موسكو.
الصورة
قائد الأسطول الروسي في البحر الأسود فيكتور سوكولوف-ألكسي بافليشاك/رويترز

سياسة

ظهر قائد الأسطول الروسي في البحر الأسود فيكتور سوكولوف، الذي أعلن الجيش الأوكراني، أمس الاثنين، أنه قتله الأسبوع الماضي، وذلك في صور وزّعتها وزارة الدفاع الروسية، اليوم الثلاثاء.
الصورة

سياسة

انتشر اسم تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، خلال اليومين الماضيين على قنوات تليغرام وحسابات على منصة إكس كقائد جديد محتمل لمجموعة فاغنر خلفاً لزعيمها، يفغيني بريغوجين، الذي قُتل مساء الأربعاء الماضي مع عدد من قادة المجموعة
المساهمون