منذ ثمانينيات القرن الماضي، بدأ "مرايا" كمشروع درامي سوري كبير أسسه الفنان ياسر العظمة، وهو عبارة عن سلسلة طويلة امتدت من عام 1982 وحتى 2013، ترسم لوحات كوميدية ودرامية مختلفة، دخلت في لُب تفاصيل المجتمع السوري، لتلاقي رواجاً كبيراً على امتداد العالم العربي في منتصف التسعينيات، وتصبح العمل الأكثر متابعة في تاريخ الدراما السورية.
لم تكن هذه السلسلة مكتوبة بشكل عشوائي أو عن عبث، فهي خلاصة تجارب وقراءات الفنان ياسر العظمة "مما قرأ وسمع وشاهد". لكن اللافت أن العظمة لم يستأثر بكتابة اللوحات لوحده طيلة هذه السنين، بل استعان بأقلام عدة كتّاب، بعضهم مخضرم، وبعضهم جُدد على ساحة السيناريو، وقدّمهم للتلفزيون في خطواتهم الأولى لدخول عالم الكتابة الدرامية، ومنهم دلع الرحبي، ومازن طه، ومحمد أوسو، وغيرهم من الكتّاب الذين أصبحوا مؤثرين في سير الدراما السورية ككلّ، وهذا ما جعل هذه السلسلة متنوعة وغنية بالأفكار ومتجددة بشكل دائم نتيجة اختلاف الأقلام الكاتبة وانتقائيتها.
ليس كذلك فقط، بل كانت "مرايا" بوابة عبور مهمة جداً لاكتشاف مخرجين وممثلين سوريين جدد. ورغم أن السلسلة كانت في غالبيتها من إخراج مأمون البني وهشام شربتجي، إلا أنها فسحت المجال لوجوه شابة في عالم الإخراج، فمن أوائل أعمال المخرج حاتم علي مسلسلا "مرايا 98" و"مرايا 99"، وقد حققا نجاحاً كبيراً وتجديداً مختلفاً على صعيد الصورة واللون.
كذلك سيف الدين سبيعي، الذي كانت تجاربه الإخراجية الأولى من خلال هذه السلسلة. ولم تتوقف القصة عند المخرجين فقط، بل حتى الممثلين، حيث قدّم العمل وجوهاً فنية واعدة، منها من يمتلك الموهبة، ومنها من كان خريجاً جديداً من طلاب المعهد العالي للفنون المسرحية، وأصبحت هذه الوجوه اليوم نجوماً في المقدمة، ومنها باسل خياط، ومكسيم خليل، وقيس الشيخ نجيب، وصفاء سلطان، وعابد فهد. ورغم أن هناك أسماءً معينة من الفنانين السوريين ارتبط حضورهم بـ "مرايا" ارتباطاً وثيقاً، مثل هاني شاهين، وتوفيق العشا، وبشار إسماعيل، وهالة حسني، إلا أن ذلك لم يُلغِ حضور الوجوه الجديدة بشكل مستمر بعيداً عن فكرة "الشِّلَلية" التي لم يتبعها العظمة أبداً.
في كل موسم رمضاني، كان الجمهور على موعد مع جزء جديد من "مرايا"، وكان ينتظره بشغف، وحينما تطول المدة لإنتاج موسم آخر، كان الجمهور يطالب به في كل عرض رمضاني، وكل الأجزاء تحقق نجاحاً مختلفاً لما فيها من أحداث مرتبطة بالواقع السوري والعربي تُقَدَّم بطريقة ناقدة لطيفة، بالإضافة للأداء العالي للقدير ياسر العظمة والنجوم الذين يقفون أمامه، إلا أن آخر جزأين من العمل لم يحققا النجاح المطلوب.
ففي عالم 2011، وبعد غياب ست سنوات عن آخر موسم، قدّم المخرج سامر برقاوي موسماً جديداً، لكنه لم يحقق النجاح المطلوب، فرغم أن الحكايات كانت ممتعة، لكن وقت العرض جاء بحالة حَرِجة يمر بها العالم العربي، ما أثّر على العرض كونه لم يدخل في تفاصيل الثورات أو الأنظمة السياسية، ولم يقدّم سامر تجديداً مختلفاً على صعيد الصورة والإخراج.
الأمر نفسه حدث في مرايا 2013 التي فقدت هويتها تماماً في هذا الجزء، فمدة الحلقة كانت لا تتجاوز 30 دقيقة، والإنتاج لم يكن ضخماً، كما اختفت في هذا الجزء وجوه العمل الأساسية، وتمت إعادة إنتاج أفكار مستهلَكة، والمشكلة الأكبر كانت في تصوير المسلسل خارج سورية، في الجزائر، وهذا ما لم يحدث أبداً من قبل، ما جعل الجزء الأخير يسقط ولا يحدِث أي ضجةـ ويفقد خاصيته السورية المتينة. ويبدو أن العظمة شعر بهذا ما جعله يتوقف عن إنتاج أي جزء جديد من هذه السلسلة من وقتها.
منذ عام 2019، يكثر الحديث عن موسم جديد لـ "مرايا"، إلا أنها مجرد أحاديث لم تدخل بعد على أرض الواقع، وبما أن ياسر العظمة بعيد عن السوشيال ميديا، إلا أنه بدأ يظهر للجمهور بشكل أكبر، وكأنه يلمح بعودة قريبة لهم، فأحدثت زيارته لموقع تصوير مسلسل "مسافة أمان"، للمخرج الليث حجو، ضجة على وسائل التواصل، وتوقع الجمهور أن المرايا الجديدة ستكون بعهدة الليث لأول مرة ومع شركة إيمار الشام.
وحقيقةً هذا ما تم الإيحاء به لاحقاً، فنشرت الصفحة الرسمية للشركة صورة من زيارة الفنان ياسر العظمة لمقر الشركة، وكان في الصورة أيضاً الفنان عابد فهد، لكن كل هذا لم يكن سوى مجرد كلام وتكهنات لم تتبين بعد حقيقتها، إنما في الآونة الأخيرة تحدث المنتِج السوري إياد الخزوز لأحد البرامج عن إمكانية إنتاجه لموسم مرايا الجديد في حال توافرت الظروف والقدرة على ذلك، في إشارة إلى احتمالية دخوله في عمل يعتبر ورقة رابحة لكل منتِج.
تبقى "مرايا" السلسلة السورية الأشهر، وهي قادرة على إعادة نفسها بسهولة للجمهور وكسبه في حال سلطت الضوء بشكل شفاف كعادتها على هموم ومشاكل المواطن السوري والعربي، لكن حتماً هناك طريقة مختلفة في تصدير هذه المرايا من جديد بعد دخول عالم السيوشال ميديا. هل ستعتمد السلسلة على كتّاب جدد يستطيعون نقل الواقع بأمانة وحرفية؟ أم سيغلب الطابع الكلاسيكي عليها، ولن تستطيع أن تكسب شريحة الشباب في زمن السرعة والتغيير المتقلب؟