"مدخل إلى فيتغنشتاين": فكرة غيّرت كل شيء

24 يونيو 2016
(غرافيتي لـ فيتغنشتاين، كلايفلاند/ أميركا)
+ الخط -

رغم أن شهرته تأتي متأخّرة خلف شهرة فلاسفة ومفكّرين معاصرين؛ مثل مارتن هايدغر وميشيل فوكو وجاك دريدا وبرتراند رسل، إلا أن الفيلسوف النمساوي لودفيغ فيتغنشتاين يُعتبر النقطة المفصلية التي تمخّضت عن الاتجاهات الفلسفية في العالم الحديث، وهو ما يعرّفه مؤرّخو الفكر بـ "المنعرج اللغوي"؛ حيث إن كتابه "مصنّف منطقي فلسفي" تضمّن أفكاراً أدخلت الفكر الفلسفي في براديغم جديد.

في كتابها الصادر مؤخّراً عن منشورات "لاديكوفارت" في باريس، "مدخل إلى فيتغنشتاين"، تحاول الباحثة اللبنانية ("جامعة القديس يوسف" في بيروت)، رولا يونس، أن تقدّم مشهداً عاماً لهذا المفكّر الذي تخطّى تأثيره المجال الفلسفي إلى مجمل المعارف اليوم، من دون أن يحضر اسمه كما هو متوقّع في المشهد الفكري العالمي.

لعل عنوان مقدّمة الكتاب توجز فكرته العامة، إذ وضعت يونس عنوان "من أجل مقدّمة فيتغنشتاينية لفيتغنشتاين"، حيث إنها تقدّم علبة الأدوات المفاهيمية للفيلسوف النمساوي. وبعد هذه الإضاءة الموجزة، تعود بقارئها إلى سيرة موجزة لصاحب "تحقيقات فلسفية"، والتي تقسمها إلى خمسة مراحل: "سنوات الشباب" (1898 – 1911) و"أول إقامة في كامبردج والمصنّف" (1913 – 1919) و"السنوات الضائعة" (1919 – 1929) و"العودة إلى كامبردج والحرب العالمية الثانية" (1929 – 1945) و"السنوات الأخيرة" (1945 – 1951).

في الفصل الثاني الذي يحمل عنوان "فيتغنشتاين الأول"، تعود فيه الباحثة إلى أولى القضايا الفكرية التي خاضها، وخصوصاً رؤيته إلى اللغة كعنصر غير محايد في عملية المعرفة، ومنها يعرّف الفلسفة بأنها "محاولة نزع للسحر الذي تؤثّر به اللغة علينا"، وهي تصوّات مكّنت من وضع الفكر البشري في طريق حلول لإشكاليات كبرى مثل نظرية المعرفة وتجاوز الميتافيزيقا وغيرها.

لا تقف يونس عند نصوص فيتغنشتاين، إذ تعتمد مراجع كتابه الوحيد الذي صدر في حياته "المصنّف المنطقي الفلسفي" لتتوسع في شبكة المؤثرات التي ساهمت في تشكيل فلسفته، كما تدرس المرحلة التي عاش فيها مفسّرة بالخصوص قراره بالوقوف بعيداً عن التيارات التي زخر بها عصره.

في الفصول اللاحقة، ومن زاوية معاكسة، ترصد يونس تأثير فيتغنشتاين في مباحث عدة مثل الأخلاقيات والجماليات والابتسمولوجيا، هذا الانعكاس المتعدد الاتجاهات تسمّيه المؤلفة بشيء من الطرافة "أعراض فيتغنشتاين".


المساهمون