خلال الشهور الماضية، تمّ استعادة العديد من المراجع والأوراق التي تدوّن تاريخ الأوبئة قديماً وحديثاً، وكيفية التعامل الرسمي والشعبي معها، وبدا لافتاً شحّ المصادر في العديد من البلدان العربية قياساً بثقافات أخرى اهتمّت باعتبارها ظواهر تاريخية تركت أثراً اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً.
يُخصّص "متحف قطر الوطني" في الدوحة معرض "سنوات العشرة" في "صالة اكتشاف النفط" لتقديم مجموعة من الوثائق والمراسلات والشهادات الشفاهية التي تؤرخ للوباء في منطقة الخليج العربي خلال العقدين الأولين من القرن الماضي.
تكشف المعروضات "مدى خطورة هذه الأوبئة والمعاناة التي عاشها أهل المنطقة مما أدى ذلك إلى موت الكثير منهم ونزوح آخرين بسبب المجاعة التي خلفتها تلك الأوبئة الأمر الذي شكل أزمة حقيقية في تاريخ المنطقة، حيث واجهت قطر في أوائل القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين مجموعة من الأوبئة الفتاكة، لا تقل خطورة عن وباء كوفيد-19 الذي يتفشى في العالم حاليّاً"، بحسب بيان المنظّمين.
يضمّ المعرض وثيقة مطابقة لبرقية أرسلها حاكم البصرة عام 1903 إلى وزارة الداخلية العثمانية، يذكر فيها أن الناس يموتون بسبب وباء الكوليرا، وأنه يجب اتخاذ التدابير الوقائية اللازمة. وتعكس الوثائق كيف كانت تتعرّض مناطق الخليج إلى الأمراض بسبب اعتمادها بشكل أساسي على البحر كمصدر للرزق، ما جعلها ستتقبل البحارة والتجار على الدوام من مختلف أنحاء العالم.
في عام 1820 ضرب الطاعون شمال البلاد مما اضطر الناجين للفرار بسبب المجاعة التي خلفها الوباء، كما انتشر الجدري سنة 1903 انتشر مرض الجدري في جميع أنحاء الخليج، إلى جانب موجات من الكوليرا ضربت المنطقة بين عاميْ 1904 و1911.
وفي عام 1918 اجتاحت الإنفلونزا الإسبانية مناطق واسعة من العالم، حيث وصل هذا الوباء إلى قطر وأدى إلى موت الكثير من سكانها. وقد أطلق أهل قطر على هذه السنة اسم "سنة الرحمة"، وذلك لكثرة الترحم على الأموات خلالها.
كما يوثق الشيخ فيصل بن قاسم آل ثاني عدداً من الحكايات المؤلمة التي سمعها من الكبار الذين عاصروا "سنة الرحمة" ضمن أرشيف التاريخ الشفاهي، ومنها وصول الإنفلونزا الإسبانية مناطق واسعة في العالم بين عاميّ 1918 و1919، ومنها قطر والذي أدّى إلى موت الكثير من سكّانها وهروب كثير منهم إلى صحراء الربع الخالي، لافتاً إلى أن جدّه الشيخ بت ثاني رحل في سنة الرحمة وهو لم يصل الثلاثين من عمره، متأثراً بالوباء مع زوجته وستّ عشر شخصاً من الحي نفسه.