الخبر عاجل على الشاشة، يرد في سطر موجز. أقترب من جهاز التلفزيون لأقرأه جيداً، وكنت في صالة الشرف، في مطار بن بلة في وهران، أستعد للطيران إلى مطار محمد بوضياف في قسنطينة. أقرأ: خطأ في امتحان البكالوريا للغة العربية في اسم شاعر صاحب قصيدة. يرد الخبر التالي عاجلاً أيضاً، ويُبلغ المشاهدين قول وزيرة التربية والتعليم، نورية بن غبريت، إن الخطأ لن يؤثر على التقويم، وإن تحقيقاً سيجري في نسبة قصيدةٍ إلى غير صاحبها. لا توضح القناة التلفزيونية، في عاجليْها هذين، اسمي الشاعريْن. يغشاني بعض فضول لحسم الأمر، يقطعه الانشغال بالصعود إلى الطائرة، وبدء رحلة السفر، وبرفقة الشاعر شوقي عبد الأمير، وندردش في المسألة التي لم نر أنها تستحق هذا النفير على شاشة القناة، غير أنها محلية والأمر يخص قطاعاً عريضاً من الجمهور العام، لكننا، نألف الأخبار العاجلة في الفضائيات، غالباً، عن قتلى وجرحى وحروب في بلاد عربية معلومة.
أطالع في اليوم التالي صحفاً جزائرية، فأجد القصة على الصفحات الأولى، وبعض العناوين تعتبرها "فضيحة"، فأعرف أن القصيدة لنزار قباني، ونسبها سؤال امتحان اللغة العربية لطلاب فئة العلمي لمحمود درويش. فتثور زوبعة أسئلة في بالي عمّا إذا كان طلاب الثانوية في مدارس الجزائر يدرسون نزار ودرويش، الأمر الذي لم أتعرّض له إبّان كنت تلميذاً في مدارس الأردن، وأخمّن أن الشاعرين الشهيرين ما زالا على غيابهما في مناهج التعليم في الأردن وغيره. ولمّا كانت "الفضيحة" هذه في امتحانٍ يخصّ تلاميذ الشعبة العلمية، فذلك يعني أن تلاميذ الشعبة الأدبية في الجزائر يدرسون شعر نزار قباني ومحمود درويش بتمحيصٍ أقوى، ويتعرّفون على بدر شاكر السياب وصلاح عبد الصبور، وربما أيضاً على سعدي يوسف وأمل دنقل، وغيرهم ممن لم نسمع بأيٍّ منهم إلا بعد أن تركنا المدارس في بلادنا.
اقرأ أيضاً: نقاشات متأخرة
تتدحرج القصة في سجالٍ حاد هناك. تُحمّل الوزيرة بن غبريت "الديوان الوطني للامتحانات والمسابقات"، المسؤولية عمّا تعتبره خطأً لا تدعو إلى تضخيمه، فيما يرفض أمين عام هذا الديوان ذلك، ويقول إن مهمة الديوان في تنظيم الامتحانات، وليست في صياغة المواضيع، ويأمر، في الوقت نفسه، بفتح "تحقيق معمق" في "الخطأ". أما نقابات التربية، فتصدر بياناً، يطالب أيضاً بالتحقيق المعمق، ويقول إن من غير المعقول أن يخطئ أساتذة لهم خبرة تفوق عشر سنوات في اسم شاعر في "امتحان رسمي ومصيري"، وإنه لا يعقل أن يصل الخطأ إلى عدم التفريق بين "عملاقين من شعراء القومية العربية"، نزار قباني ومحمود درويش. وفي الأثناء، يُعلن المفتش العام لوزارة التربية أن "إجراءات انضباطية لازمة" ستتخذ بحق من تسببوا بهذا الخطأ، الفادح بحسب بعضهم، والكارثي في نعت آخرين، والفضيحة بحسب كثيرين. وفي ما أطالع تفاصيل هذه "المعركة"، أقرأ أن الوزيرة نورية بن غبريت تتعرّض لمؤامرة، لا سيما وأن زوبعة كبرى تثور بشأن "تسريب" أسئلة امتحانات أخرى، في "فيسبوك" وغيره. ولا أجدني مضطراً للتيقن مما إذا كان أمر "المؤامرة" هذه صحيحاً أم لا، ليس فقط لأن لا ناقة لي ولا جمل في الموضوع، بل لأني كنت أصرف ما يتيسر لي من وقت في قسنطينة، للتعرف على المدينة وناسها وفضاءاتها.
اقرأ أيضاً: يا بدر، تلك الشناشيل
قصيدة نزار قباني المعنية "بالفضيحة والمؤامرة"، هي "شعراء الأرض المحتلة"، وكان سؤال الامتحان متعلقاً بـ البناء الفكري فيها، ونشرت في 1968، ويخاطب نزار فيها توفيق زياد ومحمود درويش وفدوى طوقان، بحبٍّ كثير. يقول: يا من أوراق دفاتركم بالدمع مغمسةٌ/ والطين/ يا من نبرات حناجركم تشبه حشرجة المشنوقين/يا من ألوان محابركم تبدو كرقاب المذبوحين/نتعلم منكم منذ سنين/نحن الشعراء المهزومين/.
القصيدة بسيطة، شفّافة، حارّة، جريئة، حزيرانية، من حبّات نزار الجميلة في عنقود شعره المقاوم، والهجّاء المبكر، والموصول بنزارياته إياها، من قبيل "هوامش على دفتر النكسة" و"أعطني الآن بندقية". ومن المفرح أن يطالعها تلاميذ الجزائر في هذا الزمن الشاحب، ونظن أن قصة الخطأ في الامتحان بديعة في سياقها هذا، إذ تذكّر بزمن عربي بهي مضى. وربما تحيل إلى الصلة الخاصة بين الشاعريْن الكبيرين، وفي البال أن محمود درويش طالما تحدث عن "أبوّة" نزار له، وكتب عن تجربته أنها فوق كل التجارب. أما نزار فقالها في آخر حديث صحافي معه، أجراه الشاعر نوري الجراح، إنه لا يرى من بين جميع الشعراء الحديثين إلا وجه محمود درويش.
كان في وسع الوزيرة الجزائرية أن ترد على "المتآمرين" عليها بالقول إن محمود درويش أعلن، مرة، إن من الصعب تقليد نزار قباني، ولذلك، لا يمكن أن تكون القصيدة لغير نزار، فلا داعي لكل هذا الضجيج.
أطالع في اليوم التالي صحفاً جزائرية، فأجد القصة على الصفحات الأولى، وبعض العناوين تعتبرها "فضيحة"، فأعرف أن القصيدة لنزار قباني، ونسبها سؤال امتحان اللغة العربية لطلاب فئة العلمي لمحمود درويش. فتثور زوبعة أسئلة في بالي عمّا إذا كان طلاب الثانوية في مدارس الجزائر يدرسون نزار ودرويش، الأمر الذي لم أتعرّض له إبّان كنت تلميذاً في مدارس الأردن، وأخمّن أن الشاعرين الشهيرين ما زالا على غيابهما في مناهج التعليم في الأردن وغيره. ولمّا كانت "الفضيحة" هذه في امتحانٍ يخصّ تلاميذ الشعبة العلمية، فذلك يعني أن تلاميذ الشعبة الأدبية في الجزائر يدرسون شعر نزار قباني ومحمود درويش بتمحيصٍ أقوى، ويتعرّفون على بدر شاكر السياب وصلاح عبد الصبور، وربما أيضاً على سعدي يوسف وأمل دنقل، وغيرهم ممن لم نسمع بأيٍّ منهم إلا بعد أن تركنا المدارس في بلادنا.
اقرأ أيضاً: نقاشات متأخرة
تتدحرج القصة في سجالٍ حاد هناك. تُحمّل الوزيرة بن غبريت "الديوان الوطني للامتحانات والمسابقات"، المسؤولية عمّا تعتبره خطأً لا تدعو إلى تضخيمه، فيما يرفض أمين عام هذا الديوان ذلك، ويقول إن مهمة الديوان في تنظيم الامتحانات، وليست في صياغة المواضيع، ويأمر، في الوقت نفسه، بفتح "تحقيق معمق" في "الخطأ". أما نقابات التربية، فتصدر بياناً، يطالب أيضاً بالتحقيق المعمق، ويقول إن من غير المعقول أن يخطئ أساتذة لهم خبرة تفوق عشر سنوات في اسم شاعر في "امتحان رسمي ومصيري"، وإنه لا يعقل أن يصل الخطأ إلى عدم التفريق بين "عملاقين من شعراء القومية العربية"، نزار قباني ومحمود درويش. وفي الأثناء، يُعلن المفتش العام لوزارة التربية أن "إجراءات انضباطية لازمة" ستتخذ بحق من تسببوا بهذا الخطأ، الفادح بحسب بعضهم، والكارثي في نعت آخرين، والفضيحة بحسب كثيرين. وفي ما أطالع تفاصيل هذه "المعركة"، أقرأ أن الوزيرة نورية بن غبريت تتعرّض لمؤامرة، لا سيما وأن زوبعة كبرى تثور بشأن "تسريب" أسئلة امتحانات أخرى، في "فيسبوك" وغيره. ولا أجدني مضطراً للتيقن مما إذا كان أمر "المؤامرة" هذه صحيحاً أم لا، ليس فقط لأن لا ناقة لي ولا جمل في الموضوع، بل لأني كنت أصرف ما يتيسر لي من وقت في قسنطينة، للتعرف على المدينة وناسها وفضاءاتها.
اقرأ أيضاً: يا بدر، تلك الشناشيل
قصيدة نزار قباني المعنية "بالفضيحة والمؤامرة"، هي "شعراء الأرض المحتلة"، وكان سؤال الامتحان متعلقاً بـ البناء الفكري فيها، ونشرت في 1968، ويخاطب نزار فيها توفيق زياد ومحمود درويش وفدوى طوقان، بحبٍّ كثير. يقول: يا من أوراق دفاتركم بالدمع مغمسةٌ/ والطين/ يا من نبرات حناجركم تشبه حشرجة المشنوقين/يا من ألوان محابركم تبدو كرقاب المذبوحين/نتعلم منكم منذ سنين/نحن الشعراء المهزومين/.
القصيدة بسيطة، شفّافة، حارّة، جريئة، حزيرانية، من حبّات نزار الجميلة في عنقود شعره المقاوم، والهجّاء المبكر، والموصول بنزارياته إياها، من قبيل "هوامش على دفتر النكسة" و"أعطني الآن بندقية". ومن المفرح أن يطالعها تلاميذ الجزائر في هذا الزمن الشاحب، ونظن أن قصة الخطأ في الامتحان بديعة في سياقها هذا، إذ تذكّر بزمن عربي بهي مضى. وربما تحيل إلى الصلة الخاصة بين الشاعريْن الكبيرين، وفي البال أن محمود درويش طالما تحدث عن "أبوّة" نزار له، وكتب عن تجربته أنها فوق كل التجارب. أما نزار فقالها في آخر حديث صحافي معه، أجراه الشاعر نوري الجراح، إنه لا يرى من بين جميع الشعراء الحديثين إلا وجه محمود درويش.
كان في وسع الوزيرة الجزائرية أن ترد على "المتآمرين" عليها بالقول إن محمود درويش أعلن، مرة، إن من الصعب تقليد نزار قباني، ولذلك، لا يمكن أن تكون القصيدة لغير نزار، فلا داعي لكل هذا الضجيج.