بعكس ما كان يأمل الفلسطينيون، فإن اتفاق لوزان الذي توصلت إليه الدول العظمى وإيران أخيراً، سيُحفّز الإدارة الأميركية للعمل أكثر من أجل إحباط التحرّكات الفلسطينية في المحافل الدولية، وسيدفع الرئيس الأميركي باراك أوباما لإفشال المخطط الفرنسي، الساعي إلى تمرير مشروع قرار في مجلس الأمن، يضمن الاعتراف الدولي بفلسطين في غضون عامين.
وكان الفلسطينيون قد راهنوا على الخلافات العميقة وأزمة الثقة الحادة، بين أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، من أجل توفير الظروف المناسبة للحصول على الاعتراف الدولي، على اعتبار أن أوباما أعطى الانطباع بأن واشنطن ستعاقب نتنياهو بعد أن تعهّد بعدم السماح بإقامة دولة فلسطينية.
لكن على الرغم من مواصلة نتنياهو توجيه انتقاداته الحادة لاتفاق لوزان، فإن الرسائل التي تصل تل أبيب من واشنطن، تُفيد بأن حاجة أوباما لتسويق لوزان داخلياً، تفرض عليه إبداء أكبر مظاهر التأييد لإسرائيل في المحافل الدولية.
وقال معلّق الشؤون السياسية في قناة التلفزة الإسرائيلية العاشرة رفيف دروكير، إن "دوائر صنع القرار في تل أبيب، باتت تعي أن أوباما المعني بتوفير الظروف الكفيلة بإقرار الاتفاق، لن يكون مستعداً لإغضاب الأغلبية الجمهورية والمنظمات اليهودية التي تعارض لوزان من خلال المسّ بمصالح إسرائيل".
اقرأ أيضاً: رسائل نووية إيرانيّة بعد اتفاق لوزان
يُذكر أن وزراء صهاينة عبّروا قبل الإعلان عن اتفاق لوزان، عن قلقهم الشديد من "إمكانية أن يأمر أوباما بتأييد مشروع القرار الفرنسي أو الامتناع عن التصويت". وقد أقرّ وزير الاستخبارات الإسرائيلي يوفال شطاينتس، بأن "سماح واشنطن بتمرير مشروع القرار الفرنسي في مجلس الأمن، سيُمثّل زلزالاً سياسياً واستراتيجياً، سيُقلّص من هامش المناورة أمام إسرائيل بشكل كبير".
وفي السياق، قال المعلق العسكري ألون بن دافيد، إن "أوباما أبدى استعداده للتوصل إلى تفاهم مع نتنياهو يضمن الحرص على الأخذ بمواقف إسرائيل، عند التوصل للاتفاق النهائي مع إيران"، المتوقع في يونيو/حزيران المقبل.
وفي مقال نشرته صحيفة "معاريف" في عددها الصادر، يوم الخميس، حثّ بن دافيد، نتنياهو على "التوصل لصفقة شاملة تقوم على وقف الحملة التي تشنّها إسرائيل ضد اتفاق لوزان داخل الولايات المتحدة، في مقابل تعهّد أوباما بتضمينه بنوداً تُسدل الستار على إمكانية نجاح إيران في تطوير سلاح نووي".
وأوضح بن دافيد، أنه "سيكون بإمكان نتنياهو استغلال مأزق أوباما، وحرصه على تقليص قدرة الكونغرس على إحباط اتفاق لوزان، وإقناعه بأن تتعهّد إدارته بالعمل بكل ما أوتيت من قوة، لإحباط التوجه الأوروبي لفرض عقوبات اقتصادية على إسرائيل، بسبب إصرارها على رفض إقامة الدولة الفلسطينية ومواصلتها المشاريع الاستيطانية والتهويدية في القدس المحتلة".
وأضاف أنه "على الرغم من أن هذا الاتفاق سيئ، فإن بإمكان نتنياهو أن يحوله إلى فرصة تاريخية، لتقليص المخاطر الناجمة عن اتفاق لوزان من جهة، والحصول على دعم أميركي حاسم في مواجهة حملات المقاطعة الدولية من جهة أخرى".
لكن دعوة بن دافيد لا تجد آذاناً صاغية لدى القيادة الإسرائيلية، فقد أكد معلّق الشؤون السياسية في قناة التلفزة الثانية، أودي سيغل، أن "نتنياهو اتخذ قراراً بمواصلة تحدي أوباما، والرهان على التنسيق مع الكونجرس في إحباط الاتفاق". وقال سيغل إن "نتنياهو يستمد التشجيع من حجم المعارضة للاتفاق التي تسود الكونجرس".
يُذكر أن صحيفة "هآرتس" كشفت في عددها الصادر الخميس، النقاب عن أن نتنياهو طلب من نواب في الكونجرس سنّ قانون يعتبر اتفاق لوزان معاهدة دولية، مما يستدعي وجوب التصويت عليه في الكونجرس. وأشارت الصحيفة إلى أن "نتنياهو يأمل أن يتمكن من اقناع عدد كاف من النواب الديمقراطيين في مجلسي الشيوخ والنواب للتصويت ضد الاتفاق، لأن هناك حاجة لتأمين ثلثي عدد الأصوات اللازمة لإسقاط الاتفاق".
من ناحيته، شنّ الكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي، هجوماً كاسحاً على الولايات المتحدة، متهماً إياها بـ"الخنوع أمام إملاءات إسرائيل". ولفت إلى أن "الخضوع الأميركي لإسرائيل فاق كل التوقعات". وذكر ليفي في مقال نشره موقع صحيفة "هآرتس"، الخميس، أن "نتنياهو بات هو من يصدر التعليمات لأعضاء مجلسي الشيوخ والنواب من أجل تشريع القوانين، بما يتناسب مع مصالح اليمين المتطرف في إسرائيل". واتهم ليفي أعضاء الكونجرس، بأنهم "فقدوا أدنى مقومات الكرامة الوطنية، وباتوا يعملون تحت إمرة نتنياهو ويسعون لتنفيذ نزواته".
اقرأ أيضاً: أوروبا وإشكاليات تنفيذ اتفاق لوزان