تثير هذه اللجنة الأميركية الجديدة جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية التي لها علم بها، سواء العراقية أو الأميركية، ودول عربية عدة بسبب ما اعتُبر "سوء اختيار الشخصيات التي سترسم رؤية العراق للرئيس الأميركي الجديد". وتوجه الانتقادات للكثير من الشخصيات الأميركية المشاركة في عضوية اللجنة، نظراً إلى أنها وجوه ارتبط اسمها باحتلال بلاد الرافدين وتدميرها.
كما تنبع الملاحظات حول الشخصيات العراقية، على خلفية تاريخها، إذ يتهم غالبية هؤلاء بالعمل لصالح أحزاب عراقية مشاركة في السلطة، فيما آخرون من أصحاب الطروحات الطائفية والعنصرية في التعاطي مع الشأن العراقي. يضاف إلى ذلك، غياب مكوّنات عراقية عنها وتمثيل رمزي أو غير حقيقي لمكوّنات أخرى.
وتم تشكيل اللجنة برعاية الكونغرس، بعنوان "Future of Iraq Task Force". ومن المقرر أن تعقد ندوات ومؤتمرات مكثفة خلال الشهر الحالي وحتى نهاية العام 2016، على أن تكون اللجنة جاهزة لتقديم الرؤية الشاملة في العام 2017 للرئيس الأميركي الجديد الذي سيخلف تركة الرئيس الأميركي الحالي، باراك أوباما بما فيها من مشاكل ثقيلة.
في هذا السياق، يؤكد أحد أعضاء اللجنة في حديث لـ"العربي الجديد"، على أن مقررات تلك اللجنة لن تكون ملزمة للرئيس الجديد بقدر ما هي مساعدة له، مشيراً إلى أنّ اللجنة لا تمثّل كل العراقيين، وكان يجب أن تضم كل طوائفهم وحتى القوى المعارضة للعملية السياسية الحالية". ويضيف عضو اللجنة، وهو أكاديمي عراقي مقيم في واشنطن أنّ "هناك شكوكاً باستمرار حالة الودّ بين أعضاء اللجنة كونهم لا يفكّرون بروح وطنية بل طائفية، وهو ما يجعل من نجاح اللجنة أو مهنيّتها في خطر كبير". ويلفت إلى "غياب مكوّنات مهمة مثل السنة، والتركمان، والمسيحيين، والصابئة. كما أنّ هناك أعضاء ادعوا انتماءهم لطوائف معيّنة حتى يتم ضمّهم للجنة".
وتضم اللجنة 30 عضواً يترأسها السفير الأميركي السابق في العراق، رايان كروكر، بالإضافة إلى عضوية سفراء الولايات المتحدة السابقين الذين عملوا في بغداد بين 2003 و2014، وهم: جيم جفري، وزلماي خليل زاد، وجون نيغروبونتي، فضلاً عن الجنراليَن ديفيد بترايوس وجون ألن، ونائب رئيس مؤسسة RAND، تشارلي ريس، ونائبة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط، بيث جونز، والعدد المتبقي هم من الباحثين العراقيين.
ووفقاً لمصادر سياسية عراقية من بغداد، فإن التحفظات على تلك اللجنة تنبع من سوء اختيار الشخصيات العراقية وعدم تمثيل المكوّنات وتهميش أخرى من قبل الكونغرس. وتشير المصادر العراقية إلى أنّ من بين أعضاء اللجنة العراقيين، مستشاراً لرئيس الوزراء الحالي، حيدر العبادي، ونجل مرجع ديني معروف مقيم في لندن، وثالثاً عمل مرافقاً للسياسي العراقي الراحل، أحمد الجلبي. فيما يتوزع الآخرون بين أحزاب عدّة معروفين بانتمائهم لها مثل حزب "الدعوة"، وحزب "الاتحاد الكردستاني"، والمجلس الأعلى الإسلامي، بالإضافة إلى آخرين ممن خدموا مع القوات الأميركية في بغداد كموظفين أو مترجمين وانتقلوا للعيش في الولايات المتحدة.
اقرأ أيضاً: الخطاب الطائفي للأحزاب يزيد انقسام الشارع العراقي
كما تضم اللجنة وفقاً للمصادر ذاتها، دوغلاس أوليفانت وهو أميركي معروف بدوره الفعّال في اللوبي (جماعات الضغط) لصالح شخصيات سياسية في منطقة الشرق الأوسط وتحديداً العراق، مقابل مبالغ مالية كبيرة. بالإضافة إلى الباحثة الأميركية، الأستاذة الأكاديمية ناتالي دينس التي تتمتع بعلاقة ممتازة مع حكومات عراقية متعاقبة، فضلاً عن المستشار الأميركي لرئاسة إقليم كردستان، الأستاذ الجامعي غاريث ستانسفيلد، بحسب المصادر العراقية.
ويوضح وزير عراقي سابق، عضو في البرلمان الحالي لـ"العربي الجديد"، أنّ "واشنطن أخفقت في اختيار أعضاء اللجنة الذين لن يكون قسم كبير منهم أمناء في التقارير التي يقدّمونها، خصوصاً في ملفات الدستور وإعادة صياغته أو تعديله، وملف مشروع الأقاليم المطروح، وملف المناطق المتنازع عليها بين بغداد وكردستان من جهة وبين المحافظات الأخرى الخمس عشرة من جهة أخرى، مثل كركوك، وصلاح الدين، وكربلاء، والأنبار. ويضاف إليهم ملف قانون الأحزاب، والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات المثيرة للجدل، وصلاحيات كل من رئيس البرلمان ورئيس الجمهورية، وملف الجيش العراقي، والخدمة الإلزامية، وإيران، وعلاقة بغداد مع محيطه العربي"، وفقاً للسياسي ذاته.
ويضيف الوزير أن "وضع مثل تلك الشخصيات التي فشلت في السابق بملف العراق مثل السفراء الأميركيين الأربعة ومعهم شخصيات متّهمة بالطائفية والعنصرية أو مجاملة الأميركيين لن يكون في صالح العراق، ولا يبشّر بخير في ما يتعلق بتغيير واشنطن سياستها في التعامل مع الملف العراقي"، على حدّ تعبيره.
فيما يؤكد عضو الحزب الشيوعي العراقي حسام العلي لـ"العربي الجديد"، أن "أساس الاعتراض على تلك اللجنة، هو أنها ضمّت مَن فشل سابقاً بالعراق، ولم يتمكنوا من تقديم شيء له، فضلاً عن احتوائها شخصيات عراقية لا يمكن اعتبارها وطنية بل ظلّت ضمن خانة الطائفة والقومية طيلة السنوات الماضية". ويضيف أنّ "الأميركيين يكرّرون أخطاءهم ولا يتّعظون مما سبق. ولا نتوقع أن تتدخل الحكومة أو السفارة العراقية في واشنطن بالموضوع كونها مقتنعة أن تقارير اللجنة لن تكون إلا لصالحهم، على اعتبار أن اللجنة وأعضاءها لا تضم شخصيات معارضة للعملية السياسية الحالية"، وفقاً للوزير ذاته.
في السياق ذاته، يقول المحلل السياسي العراقي المقيم في لندن أحمد المحمود لـ"العربي الجديد"، إنّ "اللجنة تشكلت من قبل جهات كان لها الدور الفاعل في تدمير المجتمع العراقي فترة الاحتلال المباشر. وبناء على ذلك، من غير المنطقي أن نتوقع نجاح الشخصيات ذاتها في إصلاح الوضع مع قلة نفوذهم اليوم لصالح النفوذ الإيراني المستفحل"، وفقاً للمحلّل. ويضيف، أنّ "ما استشففناه من الاجتماع المعلن، أن الأميركيين يركزون على وجود أصدقاء لهم من المكوّن الشيعي والكردي عبر الخبراء أو بعض المشرفين. واكتفوا بهذا الأمر، إذ لا يوجد تمثيل للسنة بما يضمن أمنهم ومستقبلهم ويجعلهم غير مضطرين لحمل السلاح بالمستقبل تحت أي ظرف كان".
ويلفت المحمود إلى أنّ "داعش مخلوق ولد من رحم الأخطاء الأميركية بالعراق، ولا يمكن إغفال ذلك، لكن الأميركيين يكرّرون أخطاءهم كل مرة". ويرجّح المحلل السياسي أن تقدم هذه اللجنة تقارير كثيرة. وفي ظلّ الأوضاع الحالية سياسياً، وأمنياً، واقتصادياً، فضلاً عن الوجود الإيراني ستضمن اللجنة وظيفة طويلة الأمد بمرتب ممتاز لأعضائها قد تكون بمثابة تقاعد لمن فشلوا في إدارة العراق على الرغم من كل الإمكانات التي كانت تحت تصرفهم آنذاك"، على حدّ تعبيره.
اقرأ أيضاً العراق: واشنطن تساند العبادي في الأزمة السياسية