على الرغم من ندرة تجارب موسيقى الراب في العالم العربي عموماً، وسورية بشكل خاص، إلا أن تجربة فرقة "لاجئي الراب" المنطلقة من مخيم اليرموك تستحقّ الوقوف عندها، ليس فقط لأنها تعاني أهوال الحرب هناك، بل لأنّها تنتقل من لجوء إلى آخر، ومن مخيم داخل سورية إلى آخر خارجه، ومن غربة إلى منفى، وتنجح في إثبات أنّ فنّها هو وطنها الكبير الذي تجتمع فيه أحلامها وما تؤمن فيه.
حين اجتمع أربعة شبان يقيمون في مخيم اليرموك جنوبي دمشق، من أصول سورية وفلسطينية وجزائرية هم ياسر جاموس ومحمد جاموس و أحمد زروق ومحمد جواد، بتأسيس فرقتهم عام 2006، وإنتاجهم ألبومهم التجريبي، اعتمدوا على توزيع ونشر أغانيه شخصياً عن طريق إعطائه لمحلات وباعة الاسطوانات الموسيقية، ومشاركته بين الأصدقاء بتقنية البلوتوث، وذلك لندرة نوع الموسيقى التي تؤديها الفرقة بين الشباب، وتزامناً مع حظر النظام السوري لمواقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك واليوتيوب في تلك المرحلة.
اليوم أصدرت الفرقة ألبومها الثالث، تحت عنوان "زمن الصمت"، الزمن الذي تحاول هذه الفرقة كسر صمته، وفق تأكيد أحد أعضاء الفرقة لـ"العربي الجديد": "يحكي الألبوم الحالة التي عاشها السوريون على مدى عقود طويلة، وهو يحوي 18 أغنية تمّ تأليف وتسجيل معظمها في دمشق، منها أغنية "حرام" التي تتحدّث عن الوضع الإنساني... رسالتنا هي السلام... نحاول إيصال هموم الشارع وصوت الشعب بطريقة فنية وممتعة ومسلية بحيث تصل الفكرة مع ابتسامة أو دمعة أو تفاؤل".
"لاجئو الراب" أو "صوت الشعب" كما يحبّون التعريف عن أنفسهم، من أوائل فرق الراب العربي في سورية، يعتمدون المزج بين الشرق والغرب، حيث يجتمع الإيقاع العربي والألحان الشرقية مع الـ"هيب هوب" الحديث في أغانيهم. صدر لهم ألبوم عام 2007 حمل اسم الفرقة، وحظيت أغنية "فلسطين والقرار" بقدر كبير من اهتمام الشارع، ما جعل من الفرقة اسماً متداولاً في الحفلات والمهرجانات، وبين أبناء جيلهم، تبعه إصدار ألبوم "وجهاً لوجه".
وعن البدايات يقول جاموس: "بعد أكثر من خمس سنوات من العمل الموسيقي وإحياء الحفلات، فضّلنا البقاء في مخيّم اليرموك لنقل ما نراه خلال حياتنا اليومية من فقر وقهر وعدم مساواة وبطالة ومشاكل الجيل الجديد، وحتى المواضيع الترفيهية التي من شأنها أن تعطي الأمل، وازداد عزمنا على تزويد شباب المخيم ببرامج وفرص عبر فعاليات تشجيعية ونشاطات، خرجت من حدود المخيم للمناطق الأخرى".
ومنذ اندلاع الثورة في سورية عام 2011، وضعت الفرقة موسيقى الراب بخدمة الحراك السلمي ومطالب الشعب، وتحوّل الاستديو الخاص بهم، والكائن في مخيم اليرموك إلى ورشة عمل لإنتاج أغاني تعزز موقف الحراك السوري وتنتقد كل ظالم، وتشرح وجهة نظرها عبر أغاني تسلّط الضوء على مساوئ الدكتاتورية والقمع ومحاسن الحرية، الأمر الذي جعلهم هدفاً لأجهزة الأمن التي لم تتوانَ عن ملاحقتهم، وتهديدهم بالقتل، وتدمير الاستديو الخاص بهم المسمى "بصوت الشعب". المناخ الأمني الصعب في البلاد، وعدم قدرتهم على العمل بحرية دفعهم إلى مغادرة البلاد بعد عامين من بدء الثورة، لمتابعة أعمالهم دون ضغوط، ويعتبر الألبوم الأخير ردّهم على طردهم من مكانهم الأوّل وتأكيداً على ارتباطهم به.