"لابابييز" شارع إسباني مرصوف بالقصائد والموسيقى

17 ابريل 2015
مباني ملوّنة ومزيّنة(Getty)
+ الخط -

"لابابييز"، هو أحد شوارع مدينة مدريد الأكثر شعبية وشهرة واكتظاظاً، وربما يكون السكن فيه أرخص من باقي أحيائها الراقية.

في هذا الشارع، تجد كل المتناقضات والتي في الحقيقة تشكل الحياة؛ فيه يتجمع الشباب الأفارقة والعرب، الناجحون منهم والمحبطون، وفيه يتجمع الفنانون والمثقفون والكتّاب. لكن أجمل ما في هذا الشارع هو وجود عدد من البارات التي لم تعد مجرد أمكنة للتجمع أو للمشروب، بل أصبحت تنتج ظاهرة فنية كاملة استطاعت أن ترسم لها ملامح من الحرية والعفوية والصدق قلما تتكرر.

في بارات لابابييز تتم فعاليات فنية شعرية ثقافية، بشكل جميل وبسيط وحرّ، بعيداً عن الرسمية وعن السلطة وعن المراكز الثقافية، وتقبل أية مشاركة ومن أي شخص مهما كانت جنسيته بدون أية شروط. هي فقط محاولات لإحياء الجمال وإغناء روح الإنسان ضمن مناخ طبيعي محمي من الإيديولوجيا ومن المناصب ومن هيمنة الأسماء الكبيرة على الأماكن الثقافية العامة.

يُقام في لابابييز كل سنة ما يسمى شهر الفن، وهو عبارة عن تظاهرة فنية صغيرة تستضيف كل يوم ثمانية من الشعراء والعازفين والمغنين ليشكلوا مزيجاً ساحراً من الشعر والموسيقى والغناء يحضره الإنسان المأخوذ بهاجس الفن، يطلب كأساً من البيرة، ويشرب معه أصواتاً قادمة من آلات جديدة أحياناً، ومن لغات جديدة ومن بلاد لم يكن يعرفها، وقد يشرب الإيقاع الإسباني العريق بأصوات جديدة مدهشة، أو يشرب إيقاعات جديدة، حملها قادم من بلاد جديدة إلى مدريد.

ينظّم هذه الفعاليات أشخاص طيبون جميلون، كل ما يريدونه هو محاولة بناء عالم يحتفي بالإنسان والحب بدلاً من عالم معدني جاف تبتلعه سلطة المادة وسلطة السلاح.

قبل كل فعالية يقرأ أحد المنظمين مقاطع من شعر لوركا أو ماتشادو أو بعض مقاطع من روايات سرفانتس، ثم يقدم كل مشارك ما يريد بجو من الإضاءة الخافتة والهدوء والسماع والتفاعل الحقيقي غير المبتذل، تصفّق الأكف التي قد يكون بينها ناقد، أو كاتب، تصفّق لما يستطيع أن يدخل القلب.

وفي نهاية هذا الشهر يُحتفى بيوم مميّز، يقدّم فيه أجمل ما قدّم خلال الشهر، ويُهدى كل مشارك وردة وتذكاراً صغيراً.

هذه السنة، وخلال هذا الشهر، ولدت لدى أحد المنظمين الجميلين الذين يمتلكون روحاً واسعة، فكرة إقامة أمسية خاصة يشارك فيها القادمون من بلاد الحروب، وقد كانت الفعالية تحت عنوان "نحن معكم سنسمعكم وسنسمع صوت الضحايا في كلماتكم وعزفكم"، وقد شارك عشرة أشخاص من عشر دول مختلفة أكلت الحروب فيها وجه الحياة. وكان المفاجئ هو تفاعل الحضور من الإسبان مع القصائد التي قدمت والمعزوفات والأغاني التي امتزجت بالشعر والتعاطف والحب والأسف الذي كان يسكن عيونهم.

وولدت كذلك فكرة أخرى، هي إحياء سهرة خاصة بالثنائيات التي تُقدّم مع بعضها العزف والغناء. كانت سهرة جميلة، شكل فيها صوت الحناجر وصوت الآلات ثنائيات تأخذ سامعها إلى عوالم كادت أن تصبح منسية.

لابابييز في مدريد، شارع من حجارة وناس وكلمات وقصائد، شارع من الأغاني، شارع رائع لتربية الحياة.


اقرأ أيضا:
أول تظاهرة افتراضية عبر الهولوغرام في إسبانيا
منارات ميناء طنجة: ملاحة وسياحة وتاريخ

دلالات
المساهمون