لم تقتصر محاكاة المعماريين الأوروبيين لنظرائهم المسلمين منذ القرن التاسع للأساليب والأنماط في مدن الأندلس وصقلية، بل تجاوزتها لاستعارة أشكال بناء القصور في بغداد في نفس المرحلة، واستمرّ التأثر لقرون حيث استلهمت أيضاً من عمارة المماليك والأيوبيين والعثمانيين.
"سرقة من الساراسينيين: كيف شكّلت العمارة الإسلامية أوروبا" عنوان الكتاب الذي صدر حديثاً للباحثة البريطانية المتخصّصة في دراسات الشرق الأوسط ديانا دارك عن "منشورات هيرست"، ويكشف هذا الكتاب المصور الجذور العربية والإسلامية للتراث المعماري في القارة العجوز.
المباني الأوروبية الأكثر شهرة تحتفظ بمؤثرات إسلامية من كاتدرائية نوتردام إلى مجالس برلمانية
تشير المؤلّفة إلى أن المباني الأوروبية الأكثر شهرة تحتفظ بمؤثرات إسلامية من كاتدرائية نوتردام التي استعير نمط بناءها من كنيسة قلب لوزة في جيل باريشا بإدلب في سورية والتي تعود إلى القرن الخامس الميلادي، وصولاً إلى مباني مجالس برلمانية، متتبعة الأفكار والأساليب المقتبسة من مراكز إسلامية مثل دمشق وبغداد والقاهرة، مروراً بإسبانيا وإيطاليا.
كما توضّح كيف تعاملت حملات الفرنجة والحجاج الأوروبيين والتجار في العصور الوسطى مع الثقافة العربية الإسلامية أثناء ذهابهم إلى الأراضي المقدسة، مستكشفة المزيد من التفاعل الفني الحديث بين الثقافة العثمانية ونظيرتها الغربية وكيف تأثرت بها العمارة القوطية.
تستعيد دارك هذا التاريخ الطويل الذي تم تجاهله من "الاقتراض" المعماري، والذي تسميه السرقة ضمن سرد طويل وممتع من فصول التبادل الثقافي، يتمّ إنكارها من قبل الأوروبيين خاصة مع تصاعد حمّى الإسلاموفبيا، ومحاولات شيطنة كلّ ما يصل من الشرق المسلم.
ويعود الكتاب إلى السير كريستوفر رين (1623 – 1723)، الذي يُعتبر أعظم مهندس معماري بريطاني، والذي يمثل هذا التأثير بوضوح منذ أكثر من ثلاثة قرون، عندما كتب دراسة وبحثاً مكثفين يقول فيهما أنه "يجب أن يُطلق على النمط القوطي بحق أسلوب الملسمين".
تبيّن دارك أيضاً أن الإيطاليين نقلوا طرزاً معمارية من القاهرة المملوكية، حيث استخدموا حجارة قاتمة اللون مع أخرى زاهية في الواجهات المخططة في المباني الرخامية التي بنيت في مدن جاناوا وفلورنسا وبيزا ومسينا وغيرها، ومثل هذه الأبنية المتعددة الألوان موجودة في إقليم أوفرن بوسط فرنسا، كما طبّق في كنيسة القديس بطرس في مدينة نورثمبتن البريطانية.