يتواصل الكشف عن جرائم تعذيب اقترفتها السلطات السياسية أو جماعات منظّمة في معظم بلدان العالم، سواء من حكمتها أنظمة شمولية بذريعة الحفاظ على الوطن وأمنه، أو ما قامت به حكومات تدّعي الديمقراطية، وهو ما تشهد عليه سجلات حقوق الإنسان، ويسعى صنّاع السينما لتبديد تلك المناطق المعتمة من تاريخ البشرية.
في فيلمه "كولونيا"، يعرض المخرج الألماني فلوريان غالينبيرغر لقصة حقيقية مستمدة من تاريخ تشيلي المعاصر إبّان الانقلاب العسكري الذي قاده أوغوستو بينوشيه سنة 1973. العمل لا يقدّم أرشيف سجون أحد أبرز الطغاة في أميركا اللاتينية، إنما يروي تفاصيل الحياة البشعة في "مستعمرة الكرامة" التي يديرها حليفه شايفر، النازي السابق، في جنوبي البلاد، في محمية مغلقة كان يروّج بأنها تتبع طائفة دينية تقدّم التعليم والعلاج والرعاية مجاناً لأتباعها.
كالعادة؛ صمَتت الأطراف المعنيون بالقضية عقوداً طويلة إلى أن افتضح أمرها بحلول عام 2005، رغم أن التسريبات حولها في الصحافة بدأت منذ ثمانينيات القرن الماضي، وهو ما يعني أن الدبلوماسية الألمانية غضّت الطرف عن ممارسات أحد رعاياها منذ إنشائه المستعمرة سنة 1961.
يوثّق "كولونيا" لحظة اعتقال الناشط الألماني دانيال، أحد أنصار الحزب الشيوعي التشيلي، وتعرّضه لتعذيب وحشي بالضرب وباستخدام الأجهزة الكهربائية ثم إرساله إلى "مستعمرة الكرامة"، ما دفعه إلى تقمّص شخصية المعتوه، خشية مواصلة إيذائه. تقرر حبيبته لينا (إيما واتسون) الانضمام إلى تلك الطائفة الدينية بعد أن علمت بوجوده لديها، وهناك تمضي أسوأ أيامها في العمل لساعات طويلة في الزراعة والأعمال المنزلية ضمن قواعد صارمة لا تختلف في بعض ممارساتها عن العبودية.
يُترك دانيال وحيداً لعدم اكتراثهم بتصرفاته البلهاء، إلى أن تقوده قدماه صدفة في إحدى الليالي إلى سرداب مظلم يؤدي إلى معسكر الاعتقال الذي جرى توقيفه فيه مع آخرين، وتكون الصدمة أن "رجل الدين" شايفر قد حفر هذا المخبأ السرّي أسفل مملكته لإخفاء من يجري تعذيبهم لصالح أجهزة أمن بينوشيه.
لم ينجح المخرج كثيراً في تجسيد المأساة المريعة التي عاشها المئات، وآثر عليها تقديم جرعة رومانسية للشابين العاشقين وافتعال الإثارة حول لقاءاتهما خفيةً، وفي هربهما في نهاية المطاف ولجوئهما إلى السفارة الألمانية، ثم في قدرتهما على إشغال شايفر ورجال الأمن حتى صعودهما الطائرة.
يضع العمل في الختام مجموعة حقائق مكتوبة لمشهديه؛ شايفر يهرب في عام 1997 إلى حين إيقافه بعد ثمانية أعوام، ويُحكم عليه بالسجن حيث يلقى حتفه هناك في عام 2010.
تستمر انتقادات الضحايا بسبب إعلان المستعمرة معلماً سياحياً، عوضاً عن تحويلها إلى متحف يؤرخ لعذاباتهم. وهي رغبة يشترك فيها معذّبون كثر في أنحاء العالم، لا تزال بعض معسكرات اعتقالهم مفتوحة للتعذيب أو لا يجري إظهار كامل حقائقها كما في "مستعمرة الكرامة".