للوهلة الأولى، تبدو المعروضات وكأنها لوحات تشكيلية حديثة أُنجزت بمهارة، تجمع الألوان بتناسق؛ من الأخضر العشبي والبني الأرضي، إلى الأزرق الصافي كلون السماء أو البحر.
لكن، بعد التدقيق في الكتابات المرفقة بالمعروضات، يكتشف الزائر لمعرض "كوكبنا من الفضاء: هشاشة وجمال"، أنها صور التقطتها الأقمار الاصطناعية لكوكب الأرض في العقود الأخيرة.
أقيم المعرض، الذي اختُتم أمس، في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، بالتعاون مع "الوكالة الأوروبية للفضاء". وهذه المرة الثانية التي يقام فيها؛ حيث سبق تنظيمه في روما عام 2014.
يتوسّط الصور مجسّمان للأقمار الاصطناعية التي التقطت الصور، بحجم يساوي عُشر حجمها الحقيقي. وكما يُلاحَظ في عنوانه، يلفت المعرض الانتباه إلى أمرين؛ جمال كوكب الأرض، وهشاشته التي يصوّرها من خلال المشاكل البيئية والتغيرات المناخية الخطيرة الناتجة عن التلوث الذي سببه الإنسان. كما يربط بين أهمية التكنولوجيا واستخدامها، وإمكانيات توظيفها من أجل حماية الأرض.
لا يقتصر المعرض على الصور والشروحات المرفقة ومجسمات الأقمار الاصطناعية المصغرة، بل نشاهد فيه أيضاً أفلاماً قصيرة حول الموضوع نفسه.
نرى في بعض الصّور بُقعاً ملوّنةً ومتراصّة؛ بغية توضيح حيثيات يصعب على العين غير المُدرّبة التقاطها أو معرفة ماهيتها. على سبيل المثال، أضيفت الألوان إلى الصورة التي تحمل عنوان "كوكب الترقيع"، لتوضيح أنّها تسلط الضوء على موضوعَي الإرواء الزراعي والتصحر.
يركّز المعرض على أربع ثيمات؛ هي التصحر والجليد والتمدّن والغلاف الجوي، من خلال أمثلة عديدة من بلدان العالم، بما فيها بعض البلدان العربية، مثل قطر والسعودية والكويت والجزائر.
في إحدى الصور، نرى الدّوحة في سياقٍ يسلّط الضوء على آثار التوسُّع المديني على البيئة والتركيبة السكانية، حيث يعيش أكثر من نصف سكّان قطر في العاصمة وضواحيها. في هذا السياق، تشير الشروحات المُرفقة إلى أن قرابة نصف سكان الكرة الأرضية يعيشون في المدن.
الدوحة |
توضّح الصور، أيضاً، أن انتقال ملايين البشر من المناطق الريفية إلى المدينية يمثّل عدّة تحديات للمدن الكبيرة؛ إذ إنّ هناك أكثر من 30 مدينة في العالم، يفوق سكّان كل واحدة منها العشرة ملايين نسمة، مثل طوكيو التي يبلغ عدد سكانها قرابة 40 مليون نسمة.
ولأن هذا التمدّد المديني يتسم بالعشوائية أو التخطيط الذي لا يضع المصالح البشرية والبيئية في سلم أولوياته، فإنه يشكّل خطراً على الإنسان ومستوى معيشته، وعلى الأرض وبيئتها. بل إن التخطيط في المدن الضخمة، غالباً ما يخضع إلى أولويات الرأسمالية وتوجّهها النيوليبرالي المُعتمد على الأرباح السريعة قصيرة المدى.
من هنا، يمكن لتلك الصور أن تساعد على حل أو تفادي بعض المشاكل؛ حيث يستفيد منها مخططو المدن في تحديد مراكز مجاري الهواء والأماكن الأكثر تأثراً بموجات الحر؛ من أجل تصميم مبانٍ ومناطق مدينية مريحة وصديقة للبيئة في الوقت نفسه.
إلى جانب ذلك، نرى في بعض الصور التي تُظهر جزءاً من غابات كاليفورنيا المحترقة، ضخامة هذه الحرائق، من دون أن نلمح لهباً واحداً. ففي صور الغابات المجاورة للمياه، نشاهد سحب الدخان الطويلة؛ ما يوضّح أكثر للمتفرّج هول المشكلة وخطورة ما يتعرّض الكوكب إليه.
دخان الحرائق في غابات كاليفورنيا |